ما هو السبب الحقيقي والأهم لتدفق فصائل المقاومة الفلسطينية إلى الجزائر؟

الدار البيضاء اليوم  -

ما هو السبب الحقيقي والأهم لتدفق فصائل المقاومة الفلسطينية إلى الجزائر

عبد الباري عطوان
بقلم ـ عبد الباري عطوان

الجزائر، باستقبالها لوفود الفصائل الفلسطينية في عاصمتها تحت عنوان مسعاها لتحقيق المصالحة، ولمّ الشمل، تريد من خلال هذا الحراك السياسي تدشين عودتها مجددا وبقوة الى الساحتين العربية والعالمية عبر هذه البوابة المشرفة، تمهيدا لتعويض اكثر من ربع قرن من الغياب، سواء بسبب ما يسمى بالعشرية السوداء، او حالة الشلل التي عاشتها البلاد في ظل نظام حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة. ملف المصالحة الفلسطيني معقد، ومن الصعب على  السلطات الجزائرية، التي انشغلت عنه طوال العقود الماضية لأسباب داخلية، ان تحقق اختراقا في هذا المضمار، فهي لا تملك عصا سحرية، ولا كلمة السر، وانما النوايا الوطنية الحقيقية الطيبة، وهذه وحدها لا تكفي في هذا الملف تحديدا، ومن غير المعتقد انها يمكن ان تنجح حيث فشلت عشر سنوات من المحاولات الدؤوبة لنظيرتا المصرية.

الإرث الجزائري في التعاطي مع القضية الفلسطينية ضخم ومشرف، ويعود الى اليوم الاول من انتصار الثورة الجزائرية، وتحرير البلاد من الاستعمار الفرنسي، واذا كان هذا التواصل قد انقطع لظروف طارئه، فإن احياءه ليس بالأمر الصعب، بسبب هذا التوافق الإجماعي بين الشعب والقيادة على أرضية دعم فلسطين وشعبها، وحتمية الوقوف في خندقها. يحسب للجزائر، وعلى مر العقود، انها لم تتدخل مطلقا في الشأن الداخلي الفلسطيني، ولم تنحاز لطرف ضد آخر، وكانت ابوابها مفتوحة دائما للجميع، بغض النظر عن ايديولوجياتهم الفكرية والتنظيمية السياسية، يمينية كانت او يسارية، ولعل دعوة معظم الفصائل الفاعلة على الساحة ابتداء من فتح العلمانية، ومرورا بحركة “حماس” الإسلامية وشقيقتها الجهاد الإسلامي، وانتهاء بالجبهة الشعبية اليسارية الدليل الأبرز على ما نقول.

الجزائر كانت البيت الفلسطيني المفتوح دائما، اقولها كعضو “مستقل” في المجلس الوطني الفلسطيني (برلمان المنفى)، ومن واقع تجربة شخصية ميدانية، فعندما ضاقت العواصم العربية على استضافة جلسات هذا المجلس السنوية، كانت الجزائر، شعبا وحكومة حاضنة جاهزة، مرحبة، ولم تتدخل مطلقا في المناقشات او البيان الختامي، او حتى في الخلافات التقليدية التي تنشأ بين الفصائل وما اكثرها في حينها. المصالحة صعبة، بل ربما تكون شبه مستحيلة، لان المشكلة فلسطينية، واسبابها مفهومة ومنطقية، فنحن امام سلطة وقعت في مصيدة الاحتلال الإسرائيلي وتحولت الى اداة امنية لحمايته ومستوطنيه ومشروعه العنصري، وحركات مقاومة ما زالت على العهد وتقاوم الاحتلال وتلحق به هزائم مذلة، وتصر على تحرير كل فلسطين من النهر الى البحر.

29عاما من المفاوضات مع دولة الاحتلال لم تحقق الا توطين مئات الآلاف من اليهود في الضفة الغربية والقدس المحتلين، بينما أدت معركة “سيف القدس” التي لم تستمر الا 11 يوما نتيجة هرولة بنيامين نتنياهو الى واشنطن، والرئيس جو بايدن مستجديا التدخل بوقف اطلاق نار سريعا منعا لإنهيار دولته، بعد عزلها كليا عن العالم واغلاق مطاراتها، ونزول ستة ملايين من مستوطنيها الى الملاجئ طلبا للسلامة. هذه العودة الجزائرية لاحتضان القضية الفلسطينية وثوارها، وشعبها جاءت في الوقت المناسب، في محاولة لإنقاذها والامة العربية من حال الهوان والمذلة التي تعيشها وتتمثل في تسابق بعض الحكومات العربية الى التطبيع مع دولة الاحتلال، والتنسيق الأمني والعسكري معها، طلبا للحماية، وهذا وهم كبير، فالذي لم يستطع حماية نفسه من صواريخ المقاومة، كيف يستطيع حماية الآخرين؟

الشعب الفلسطيني يقدر الإرث الجزائري المقاوم الذي استمر اكثر من 130 عاما، ويعتبره قدوة، ويتعلم الكثير من دروسه، اسوة بكل دروس وتجارب المقاومات العربية الأخرى، ولعل بداية الصحوة العربية والإسلامية تبدأ من الغرب، بعد ان ترهل الشرق ودوله من كثرة المؤامرات والطعنات المسمومة في الظهر. جميل ان تتدفق وفود الفصائل الفلسطينية الى العاصمة الجزائرية، لإيصال ما انقطع من صلات الكرامة والاخوة والعزة، وبما يعزز الروابط بين الشعبين، ويقدم النموذج والقدوة لكل الشعوب العربية الأخرى التي لا نشك مطلقا بمشاعرها الوطنية وحبها لفلسطين، ولكنها الحكومات التي انحرفت عن الثوابت الوطنية وقيم العزة والكرامة، وهذا مؤلم بكل المقاييس. لا نتوقع نتائج فورية وملزمة لهذا التحرك الجزائري، ولكنها بداية موفقة في الاتجاه الصحيح، وتمهيد جدي “لقمة فلسطين” العربية القادمة، وأول الغيث قطرة، وربما اكثر.. والأيام بيننا.

قد يهمك أيضاً :

 هل سيؤرخ العام الجديد لطرد جميع القوات الاميركية من سوريا؟

 أشرف غني يعترف بالخطأ الأكبر الذي ارتكبه في حياته.. لماذا لا نُصَدّقه؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما هو السبب الحقيقي والأهم لتدفق فصائل المقاومة الفلسطينية إلى الجزائر ما هو السبب الحقيقي والأهم لتدفق فصائل المقاومة الفلسطينية إلى الجزائر



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:59 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 02:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

قطار ينهي حياة شيخ ثمانيني في سيدي العايدي

GMT 10:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

"خلطات فيتامين سي" لشعر جذاب بلا مشاكل

GMT 13:54 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

نصائح مهمة لتجنب الأخطاء عند غسل الشعر

GMT 13:08 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام فعاليات "ملتقى الشبحة الشبابي الأول " في أملج

GMT 16:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

كمبوديا تستخدم الجرذان في البحث عن الألغام

GMT 04:44 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميم مجمع مباني "سيوون سانغا" في عاصمة كوريا الجنوبية

GMT 06:28 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

خبير إتيكيت يقدم نصائحه لرحله ممتعة إلى عالم ديزني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca