بيانٌ “تثويريّ” لحركة “فتح” يُطالب بنُزول الشّعب إلى الشّوارع والميادين للتصدّي لصفقة “الخِزي” ومُؤامرة “الضّم”؟

الدار البيضاء اليوم  -

بيانٌ “تثويريّ” لحركة “فتح” يُطالب بنُزول الشّعب إلى الشّوارع والميادين للتصدّي لصفقة “الخِزي” ومُؤامرة “الضّم”

بقلم - عبد الباري عطوان

تصدر عن السلطة الفلسطينية بين الحين والآخر إشارات تُوحِي بأنّ قِيادتها جادّةٌ في تنفيذ قرارها بـ”التحلّل” مِن الاتّفاقات المُوقّعة مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي، مِثل اتّفاقات أوسلو، والاعتِراف بدولة الاحتِلال، وإنهاء التّنسيق الأمنيّ، ولكنّ تجارب الشّعب الفِلسطيني السّابقة، والمُؤلِمة مع هذه السّلطة، تجعلنا نَنظُر إليها بعَين الشّك والرّيبة.

من أبرز هذه المؤشّرات حرق بعض الوثائق السريّة المُهمّة حتى لا تقع في أيدي قوّات الاحتِلال في حال اقتِحام مقارها، وسحب قوّات الأمن مِن المِنطقة (ج)، ورفض استِلام أموال المُقاصة العائدة للسّلطة من الضّرائب، لأنّها مرهونةٌ بعودة التّنسيق الأمنيّ، واستِئناف كُل الاتّصالات مع الحُكومتين الإسرائيليّة والأمريكيّة.

ولعلّ البيان الذي أصدرته حركة “فتح”، حزب السّلطة، الذي وجّهته لأنصارها أمس من أجل التّظاهر ضدّ صفقة القرن والخُطط الإسرائيليّة بضم أراضٍ جديدة في الضفّة الغربيّة وغور الأردن مطلع الشّهر المُقبل (تمّوز يوليو)، كان الأكثر مُفاجأةً بالنّسبة إلينا والكثير من الفِلسطينيين مِثلنا في الوطن والمنافِي.
***
فلهجة هذا البيان “انقرضت” مُنذ توقيع اتّفاقات أوسلو أمام البيت الأبيض عام 1993، وذكّرتنا بأدبيّات الحركة الأُولى التي تتّسم بالوطنيّة والتّحريض ضدّ الاحتِلال الإسرائيلي والمُطالبة باجتِثاثه، وتحرير جميع الأراضي المحتلّة، ونضرب مثلًا بالفقَرات التي تقول “نحثّ شعبنا على خوض جولة جديدة مع هذا الكِيان الغاصب، من أجل جرحانا وأطفالنا ونسائنا وشُيوخنا، من أجل وطننا الذي لا نُقايضه بالدّولار والطّحين وعُلب السّردين”، أو الأخرى التي تقول “فهبّوا يا شعبنا العظيم، نُصرةً مِن أجل تُرابكم الوطنيّ، وشاركوا معنا في مسيرات الغضب المُندّدة بسِياسات المُجرم الإسرائيلي، ولنقف تحت الشّمس، وأمام العالم بأسره ونرفع الصّوت عاليًا، ومقذوفة العُنفوان والتحدّي.. نعم للدّولة الفِلسطينيّة المُستقلّة.. نعم للقُدس عاصمة فِلسطين ودُرّة الحُلم”.
صحيح أنّ البيان تحدّث عن “الجرحى” ولم يتطرّق مُطلقًا إلى كلمة الشّهداء، ولم يأتِ أيضًا على ذكر “المُقاومة” حتى الشعبيّة منها، كما أنّه لم يُحدِّد موعد هذه المسيرات، وأماكن انطِلاقها، الأمر الذي عزّز شُكوكنا، ولكنّه كان مُختلفًا عن كُل البيانات السّابقة للحركة، الأمر الذي يطرح سُؤالًا مُهِمًّا عمّا إذا كان مَوضِع إجماع في الحركة، وصدر بمُوافقة القِيادة، أم أنّه يُمثِّل جناحًا مُتشدِّدًا في الحركة بدَأ يطُل برأسه في ظِل تَصاعُد الاقتِحامات للجيش الإسرائيليّ لمدينة رام الله، وكُل المناطق الأخرى الخاضِعة للسّلطة؟
عندما يؤكّد السيّد حسين الشيخ، وزير التّنسيق المدني مع دولة الاحتِلال، وأحد أبرز المُرشّحين لخِلافة الرئيس عبّاس، بأنّ السّلطة ستُواصِل التصدّي للإرهاب في مناطقها ومنع أيّ هجمات “إرهابيّة” ضدّ “إسرائيل” ومُستوطنيها، فإنّ هذا يُرجِّح وجهات النّظر التي تقول أنّ التحلّل من الاتّفاقات مُجرّد مسرحيّة، وأنّ التّنسيق الأمنيّ مُستمرٌّ، وأنّ دار أبي سفيان السلطويّة ما زالت على حالِها.
التقينا السيّد سلام فياض، رئيس وزراء السّلطة الذي فرضته كونداليزا رايس وتوني بلير كوزير للماليّة مثلما اعترفت في أحد فُصول كتابها الجديد، أثناء إحدى زياراته إلى لندن عندما كان يُهيّئ البُنى التحتيّة لقِيام الدولة الفِلسطينيّة، الذي وعد الرئيس باراك أوباما أنّها ستُقام في خلال عامين، سألناه، وبعد أن نكث الرئيس الأمريكي بوعده، عن أسباب غياب أيّ رد فِعل قوي من السّلطة على هذه الخديعة، وعدم تنظيم حركة “فتح” مُظاهرات احتجاجيّة كأضعف الإيمان، قال بالحرف الواحد “نخشى أن تخرج هذه المُظاهرات عن السّيطرة، وتخلق حالةً من الفوضى، وتُبرِز قوّة المُستقلّين وحركتيّ حماس والجهاد الإسلامي في الشّارع الفِلسطيني”.
تذكّرنا كلمات الدكتور فياض هذه ونحن نقرأ بيان حركة “فتح” التّحريضي على “المسيرات” الاحتجاجيّة، فهل ستكون هذه المسيرات جديّة، وبداية تغيير في سياسة الحركة والسّلطة؟ ومُقدّمةً لانتفاضةٍ ثالثةٍ؟ وهل ستكون مفتوحةً لجميع الفصائل والتيّارات للمُشاركة فيها، وكيف سيكون موقف قوّات الأمن الفِلسطينيّة في حالِ اعتِداء قوّات الاحتِلال الإسرائيليّ عليها؟
***
لا نملك إجابات عن أي من هذه الأسئلة وغيرها، ولكن ما نعرفه أنّ حركة “فتح” ما زالت قوّةً مُؤثّرةً لها وزنها في الشّارع الفِلسطيني، وتملك تُراثًا عَريقًا في المُقاومة، وإشعال فتيل الانتِفاضتين الأولى السلميّة “الحجريّة” (من الحجر)، والثّانية المسلّحة التي أرعبت الكيان الإسرائيلي وجعلت قيادته (شمعون بيريس) يتوسّل طُوب الأرض لوقفها، والعودة للمُفاوضات للوصول إلى التّسوية السلميّة، فهل هُناك أجندة سريّة بديلة للحركة التي أنجبت فصيل “شُهداء الأقصى” المُقاوم؟
ثورة الشّعب الفِلسطيني ضدّ سِياسات الضّم أو الاغتصاب الجديدة للأرض قادمةُ حتمًا، والمسألة مسألة وقت، فإذا كانت الانتفاضة الثّانية انطلقت بتحريضٍ من الرئيس الشّهيد ياسر عرفات بعد وصوله إلى قناعةٍ راسخةٍ بعد مُفاوضات كامب ديفيد بأنّ دولة الاحتِلال لا تُريد السّلام ولا السّماح بقِيام دولة فِلسطينيّة، فإنّ الانتَفاضة الأولى انطلقت بشَكلٍ عفويٍّ احتجاجًا على سِياسات الاحتِلال الاستيطانيّة، ومِن المُفارقة أنّ أوضاع الشّعب الفِلسطيني في الضفّة والقِطاع كانت في حينها أفضل عشر مرّات ممّا هي عليه الآن، ونَحنُ نتحدّث هُنا عن الأوضاع المعيشيّة والاقتصاديّة.
هذه الثورة تنتظر “المُفجِّر” أو عود الكبريت، والضفّة الغربيّة تعيش حالةً من الغضب غير مسبوقة، وشُبّانها الشّجعان الذين لا يخضعون لعُبوديّة الرّاتب، والوظائف الوهميّة، جاهِزون للنّزول إلى الميدان، وربّما اللّجوء إلى السّلاح للدّفاع عن أنفسهم، خاصّةً أنّ الضفّة والمناطق المحتلّة عام 1948، مَليئةٌ بالأسلِحَة.
خِتامًا، نقول بأنّنا نأمل أن يكون بيان حركة “فتح” ذات الإرث الثّوريّ العظيم، المَليء بتضحيات الشّهداء، والجَرحى، والأسرى، انعِكاسًا لاستراتيجيّةٍ جديدةٍ، ومُقدّمةً للمُقاومة بأشكالها كافّة لإحباط مشاريع الضّم وصفقة الخِزي والعار، وإعادة الهيبة للشّعب الفِلسطيني وثوابته الوطنيّة في ظِل سِياسات التّطبيع والتّشويه مِن بعض العرَب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بيانٌ “تثويريّ” لحركة “فتح” يُطالب بنُزول الشّعب إلى الشّوارع والميادين للتصدّي لصفقة “الخِزي” ومُؤامرة “الضّم” بيانٌ “تثويريّ” لحركة “فتح” يُطالب بنُزول الشّعب إلى الشّوارع والميادين للتصدّي لصفقة “الخِزي” ومُؤامرة “الضّم”



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca