هل بدأت إيران الرّد على اغتِيال فخري زادة نوويًّا انتِظارًا للانتِقام الأكبر عسكريًّا؟

الدار البيضاء اليوم  -

هل بدأت إيران الرّد على اغتِيال فخري زادة نوويًّا انتِظارًا للانتِقام الأكبر عسكريًّا

عبد الباري عطوان
عبد الباري عطوان

من يُتابع الدّراسات والتّحليلات التي تصدر هذه الأيّام عن مراكز الأبحاث الغربيّة والأمريكيّة تحديدًا، حول كيفيّة مُعالجة إدارة الرئيس الجديد جو بايدن للمِلف النووي الإيراني بعد تسلّمه المُفترض للسّلطة في أوائل كانون الثاني (يناير) المُقبل يَخرُج بعدّة انطِباعات:

الأوّل: أنّ إدارة بايدن لن تعود مُطلقًا إلى الاتّفاق القديم الذي جرى توقيعه عام 2015، وإنّما تُريد اتّفاقًا جديدًا مُعدّلًا يُضاعِف مُدّة سريان هذا الاتّفاق 15 عامًا أخرى، أيّ حتى عام 2030.
الثاني: تجريد السلطات الإيرانيّة من قوّة الرّدع الصّاروخي الباليستي التي تملكها وأظهرت فعاليّتها بشكلٍ مُباشر عندما أسقطت طائرة “الغلوبال هوك” المُسيّرة على ارتفاع عشرين كيلومترًا فوق مضيق هرمز، وغير مُباشر عندما دمّرت عصَب الصّناعة النفطيّة في مدينتيّ بقيق وخريص السّعوديّتين، ووصل إحداها أخيرًا إلى مُنشآت أرامكو النفطيّة في مدينة جدّة دون أيّ اعِتراض.

الثالث: إنهاء التَّمدُّد الإقليمي العسكري الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، الذي يُقلِق إسرائيل وحُلفاءها في الجزيرة العربيّة، والمقصود هُنا “حزب الله” في لبنان، و”أنصار الله” في اليمن، و”حماس والجِهاد الإسلامي” في ، والحشد الشعبي في العِراق.

الرابع: تمديد حظر السّلاح المفروض من مجلس الأمن الدولي على إيران، وبِما يُؤدّي إلى منعها من شِراء أسلحة جديدة مُتطوّرة، أو تصدير صواريخ وطائرات مُسيّرة مُتقدّمة إلى الدول التي ترغب شِراءها في دول المنطقة والعالم الثّالث.
***
جو بايدن كشف عن بعض هذه النّوايا في حديثه إلى صحيفة “نيويورك تايمز” الذي أراد من خِلاله توجيه رسالة طمأنة إلى الجناح الإيراني المُعتدل، من خِلال تأكيده على إعطاء الأولويّة للعودة إلى الاتّفاق النووي، ولكن هايكو ماس وزير الخارجيّة الالماني الذي ترأس بلاده حاليًّا الاتّحاد الأوروبي نسَف هذه الرّسالة عندما كشف أنّ بلاده وبالتّنسيق مع بريطانيا وفرنسا لا تُريد العودة إلى الاتّفاق القديم، وتتطلّع إلى مُفاوضات للتوصّل إلى آخَر جديد يتضمّن نُصوصًا صريحةً تُلزِم طِهران بإزالة صواريخها الباليستيّة كُلِّيًّا التي تُهدِّد المنطقة، وتقطع كُل عُلاقاتها مع أذرعها العسكريّة الحليفة في المنطقة.
الإصرار على إزالة هذه الصواريخ الباليستيّة ووقف أيّ برامج لتطويرها حجمًا وأبعادًا، يعود إلى كونها أظهرت خللًا وثُقوبًا واسعةً في منظومات الرّدع الأمريكيّة في الجزيرة العربيّة، وباتت تُشَكِّل تهديدًا مُباشِرًا لدولة الاحتِلال الإسرائيلي.
وما يزيد قلق الأمريكان والأوروبيين أنّ “الصّقور” هُم الذين يُسيطرون على مجلس الشّورى (البرلمان) ومُؤسّسات الدولة الإيرانيّة بعد فوزهم بالأغلبيّة في الانتخابات التشريعيّة الإيرانيّة في شباط (فبراير) الماضي، وتأكيد كُل استِطلاعات الرأي بأنّهم سيُعيدون الكُرة في الانتخابات الرئاسيّة في حزيران (يونيو) المُقبل، أيّ أنّ جناح المُعتدلين الذي يتزعّمه كُل من حسن روحاني، وجواد ظريف، لن يكون في السّلطة في النّصف الثّاني من العام المُقبل.
الشّق الأخطر من عمليّة الانتِقام لاغتيال فخري زادة الأب الرّوحي للبرنامج النووي الإيراني بدأ فِعلًا بإصدار مجلس الشورى الايراني قرارًا برفع نسبة تخصيب اليورانيوم فوق 20 بالمِئة، ومنع المُفتّشين الدّوليين من دُخول المُنشآت النوويّة الإيرانيّة، وعدم الالتِزام ببُنود الاتّفاق النووي مع الدّول الكُبرى إلا اذا رُفِعَت العُقوبات في غُضون شهرين، وهذا لا يعني أنّ الانتِقام النّوعي البشَري والعسكري “غير وارد”، وربّما تأجّل، مثلما قال لنا مصدر لبناني قريب جدًّا من محور المُقاومة، فإيران لم تدخل حربًا للانتِقام من اغتيال قاسم سلماني الذي يَعُد الرّجل الثّاني فيها، ولذلك لن تَدخُل في حربٍ من أجل فخري زادة الأقل أهميّة، ولكن لا شَيء مُستَبعدًا على الإطلاق.
مجلة “الإيكونوميست” البريطانيّة الشّهيرة قالت في موضوع غلاف عددها الصّادر الجمعة، أنّ إيران باتت تملك مخزونًا من اليورانيوم المُخصّب تزيد 12 مرّة عما نصّ عليه الاتّفاق النووي، أيّ 300 كيلوغرام فقط، وأنّ هذه الكميّة كافية لإنتاج قُنبلتين نوويتين، وأنّ هُناك معلومات تُفيد أنّ إيران نقلت أجهزة تخصيب حديثة جدًّا إلى مُنشآت نوويّة تحت الأرض.
المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الذي يتزعّمه الجِنرال علي شمخاني سارع بالمُصادقة على هذه القوانين الجديدة، وفعَل المجلس الأعلى لمجلس صيانة الدستور الشّيء نفسه، وبذلك أصبح ينتظر مُصادقة مضمونة وحتميّة.
السّؤال المطروح بقوّة هو عمّا إذا كان الرئيس ترامب المهزوم، وحليفه بنيامين نِتنياهو سيقبلان بالأمر الواقع، ويتركان بايدن وإدارته للعودة إلى المُفاوضات مع إيران المحكومة بالفشل مُسبَقًا لهزيمة المُعتدلين الإيرانيين أوّلًا، ورفض خُصومهم المُحافظين المُتشدّدين أيّ تنازل عن الصّواريخ الباليستيّة الرّادعة، وحُصول إيران بالتّالي على المزيد من الوقت لإنتاج أسلحة نوويّة الذي بات وشيكًا جدًّا حسب تقارير غربيّة؟
لا نملك بلّورة سِحريّة تُمكّننا من التنبّؤ بالمُستقبل، والإجابة على هذه الأسئلة بالتّالي، لكنّ إصرار جاريد كوشنر، في زيارته “الغامِضَة” والخاطِفَة، لكُل من السعوديّة وقطر، على المُصالحة بين البلدين وفتح الأولى لأجوائها لدولة قطر والطّائرات القطريّة وربّما الأمريكيّة القادمة من قاعدة العيديد أو الإسرائيليّة المُنطَلِقَة من تل أبيب لضرب إيران، كُلّها تُوحِي بأنّ هُناك خطّة هُجوميّة موضوعة على الطّاولة.
***
تقرير “الإيكونوميست” نفسه يُؤكّد تقارير أُخرى غربيّة مُماثلة تقول بأنّ اتّفاقًا عسكريًّا سِرّيًّا جرى التوصّل إليه أثناء زيارتيّ مايك بومبيو وزير الخارجيّة وكوشنر إلى منطقة الخليج بتبادل المعلومات بين “الموساد” الإسرائيلي وأجهزة مُخابرات خليجيّة حول أيّ شيء يتعلّق بإيران وخططها النوويّة، وأذرعها العسكريّة الإقليميّة الحليفة، والتّعاون المُشترك في واشنطن لإفشال أيّ مُحاولة لإدارة بايدن للعودة إلى المُفاوضات مع إيران، وربّما لهذا السّبب، إلى جانبِ أسبابٍ أُخرى جرى تغليف زيارة صِهر الرئيس الأمريكي الخاطِفَة بالكثير من الغُموض والسريّة والتّكتّم الشّديد.
زيارة كوشنر، وتقليص ترامب تغريداته، على التويتر، وتضارب المعلومات حول المُصالحة الخليجيّة المُفاجِئة، والاتّصال الهاتفيّ بين الرئيس ترامب والرئيس المِصري عبد الفتاح السيسي غير المُبَرمج، كلّها ربّما تكون مُؤشّرات بأنّ المنطقة تشهد هُدوءًا ربّما يَسبِق العاصفة الكُبرى.. واللُه أعلم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل بدأت إيران الرّد على اغتِيال فخري زادة نوويًّا انتِظارًا للانتِقام الأكبر عسكريًّا هل بدأت إيران الرّد على اغتِيال فخري زادة نوويًّا انتِظارًا للانتِقام الأكبر عسكريًّا



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:41 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 09:52 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

أمطار صيفية تعزل دواوير ضواحي تارودانت

GMT 07:59 2018 الأحد ,15 تموز / يوليو

"بورش" تحتفل بالذكرى الـ70 لسيارتها الأولى

GMT 16:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 08:36 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

النفط ينخفض مع تهديد الصين برسوم جمركية على الخام

GMT 05:34 2018 الإثنين ,11 حزيران / يونيو

تعرف على أبرز علامات ظهور "ليلة القدر"

GMT 23:49 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

الليمون الحل النهائي للقضاء على "قشرة الشعر"

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca