بقلم : عبد الباري عطوان
اختار مايك بومبيو وزير الخارجيّة الأمريكيّ القدس المحتلّة لكيّ تكون وجهته الأُولى بعد استِئنافه جوَلاته الخارجيّة التي توقّفت ما يَقرُب من الشّهرين بسبب فيروس الكورونا، ومن المُفارقة أنّ هذه الزّيارة تتزامن مع الذّكرى العشرين لهَزيمة دولة الاحتلال الإسرائيلي الكُبرى وانسِحابها ذليلةً مكسورةً من جنوب لبنان، وبقرار من طرفٍ واحدٍ، تقليصًا لخسائرها البشريّة والماديّة بسبب عمليّات المُقاومة بزعامة “حزب الله”.الهدف المُعلن لزيارة بومبيو هو تقديم التّهاني لصديقه وحليفه بنيامين نِتنياهو وتابعه الجِنرال بني غانتس بمُناسبة تشكيل الحُكومة بزعامةٍ أمريكيّة، وتأكيد دعم إدارة الرئيس دونالد ترامب للبند الأهم على قمّة برنامجها، أيّ ضم غور الأردن ومُعظم المُستوطنات في الضفّة الغربيّة المحتلّة.
أمّا الهدف غير المُعلن فهو الطّبخة الاستراتيجيّة التي يَعكِف الطّرفان الإسرائيليّ والأمريكيّ على إعدادها مُنذ ما يُقارب العام، وتأخّر تجهيزها بسبب الأزمة السياسيّة في دولة الاحتِلال، وقد تكون عُدوانًا مُشتَركًا على محور المُقاومة، وسورية وإيران و”حزب الله” على وجه الخُصوص قبل موعد الانتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة في تشرين الثّاني (نوفمبر) المُقبل.
***
المُكوِّن الأكبر لهذه الطّبخة وجود نِتنياهو في السّلطة مدعومًا بشراكة الجِنرال غانتس، خصمه اللّدود ورئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، والهدف “تحييد” الخطر الإيراني، وإعادة “الهيبة” للمؤسّسة العسكريّة الإسرائيليّة التي “تضعضعت” بفِعل هزيمة عام 2000 وتبخّرت كُلِّيًّا في الثّانية في حربِ عام 2006.
هُناك أربعة أسباب تُثير قلق القيادة الإسرائيليّة هذه الأيّام، وتدفعها بأن تكون رأس حِربة في أيّ مشروع أمريكيّ للحَرب ضِدّ إيران:
الأوّل: تعاظم القوّة العسكريّة الإيرانيّة الذي تَجسّد آخر حلقاتها بإطلاق القمر الصناعي العسكري “نور” على ارتفاع 440 كيلومترًا في الغِلاف الجويّ، وهو القمر الذي سيَرصُد كُل التحرّكات العسكريّة الأمريكيّة والإسرائيليّة في المِنطقة.
الثّاني: نجاح محور المُقاومة بزعامة إيران في تطويق إسرائيل من الجبَهات الثّلاث الشماليّة من قِبَل “حزب الله” الذي ازدادت قُدراته الهُجوميّة وتضاعفت ترسانته الصاروخيّة عدّة مرّات، واكتَسب خبرةً قتاليّة غير مسبوقة بسبب مُشاركته في الحرب السوريّة، والشرقيّة (جنوب سورية) حيث تأكّد وجود قواعد لإيران وحزب الله في القنيطرة وما حولها في مُواجهة هضبة الجولان المُحتل، علاوةً على ترسّخ وجودها في مُعظم الأراضي السوريّة.
الثّالث: التوقّعات بتراجع مكانة وقوّة ما يُسمّى محور الاعتِدال العربي عربيًّا وإقليميًّا بسبب انهيار أسعار النّفط وعوائده، ومُواجهة زعيمته المملكة العربيّة السعوديّة مشاكل ماليّة، واحتِمال خسارتها لأقوى أسلحتها، وهو سِلاح المال، وانعِكاس كُل ذلك على شكلِ أزَماتٍ داخليّةٍ.
الرّابع: بُروز قوّة جديدة وغير مُتوقّعة على الشّاطئ الشرقيّ للبحر الأحمر، وباب المندب على وجه الخُصوص، مُتمثِّلةً في حركة “أنصار الله” الحوثيّة التي باتت تملك قُدرات جبّارة من المنظومات الصاروخيّة الباليستيّة والطّائرات المُسيّرة، تُشَكِّل تهديدًا للسّفن الإسرائيليّة والمِلاحة في خليج العقبة.
تصريحات نفتالي بينيت، وزير الحرب الإسرائيليّ التي أدلى بها قبل يومين، وقال فيها إنّ الهجمات والغارات الإسرائيليّة على سورية ستستمر حتى تخرج إيران، وقوّاتها، ومُستشاريها، و”ميليشياتها” من سورية، ربّما تكون “العُنصر المُفَجِّر” لهذه الطّبخة، أو الخطّة العُدوانيّة الأمريكيّة الإسرائيليّة التي ستنضج كُلِّيًّا، وتكون جاهزة للتّنفيذ بعد إدلاء نِتنياهو وحُكومته الجديدة بالقسَم يوم الأربعاء المُقبل، وربّما بحُضور بومبيو.
***
ما لا يُدركه الثّلاثي نِتنياهو وبومبيو وكبيرهما الذي علّمهما السّحر ترامب، أنّ القوّة ليست دائمًا بوليصة تأمين لضَمان النّصر، وإلا لما فرّ الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان مهزومًا مُهانًا قبل 20 عامًا، ولما تحطّمت أسطورة الجيش الذي لا يُهزَم في حرب تمّوز عام 2006.
الضّم الإسرائيلي للأغوار والضفّة قد يُحيِي الانتفاضة الفِلسطينيّة ويُعيدها إلى أمجادها الأولى، ويُشعِل فتيل المُقاومة في الخاصرة الإسرائيليّة الأضعف، أيّ الضفّة الغربيّة، والرّد الإيراني العنيف بإسقاط الطّائرة الأمريكيّة المُسيّرة (غلوبال هوك)، وضرب قاعدة عين الأسد في الأنبار، ووصول صواريخ الحوثيين وطائراتهم المُسيّرة إلى عصب الصّناعة النفطيّة السعوديّة وفشل صواريخ الباتريوت في التصدّي لها، كلّها مؤشّرات تُؤكّد أنّ هُناك من هو قادِرٌ على إفشال هذه الطّبخة الأمريكيّة الإسرائيليّة، وجعل طبّاخيها يدفَعون ثمنًا باهِظًا قد يكون نهاية الدولة العبريّة.. واللُه أعلم.