نعم.. اتّفاق تطبيع مغربي إسرائيلي على أرضيّة “الأرض مُقابل السّلام” ولكن ليس الأراضي الفِلسطينيّة للأسف..

الدار البيضاء اليوم  -

نعم اتّفاق تطبيع مغربي إسرائيلي على أرضيّة “الأرض مُقابل السّلام” ولكن ليس الأراضي الفِلسطينيّة للأسف

عبد الباري عطوان
عبد الباري عطوان

لم تُفاجِئنا تغريدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المهزوم التي كشف فيها النّقاب عن اتّفاق بين الحُكومتين المغربيّة والإسرائيليّة لتطبيع العُلاقات بين بلديهما، لأنّ كُل المُقدّمات كانت تُشير في هذا الاتّجاه، أبرزها إعلان كُل من الأردن ودولة الإمارات العربيّة المتحدة عن فتح قنصليّات لها في مدينة العيون الصحراويّة، علاوةً على زيارة جاريد كوشنر صِهر ترامب ومُستشاره الأوّل إلى الرباط واستِقباله بحفاوةٍ من قبل العاهل المغربي الملك محمد السادس، وتدفّق السيّاح الإسرائيليين إلى المغرب بشَكلٍ غير مسبوق.

هذا الاتّفاق المغربي الإسرائيلي جاء على أساس نظريّة الأرض مُقابل السّلام، ولكنّ الصّحراء الغربيّة وليس الأرض الفِلسطينيّة، حيث اعترف الرئيس الأمريكي في تغريدةٍ له بالسّيادة المغربيّة الكاملة على الصّحراء، وتعهّد بتقديم الدعم المالي لمشاريع التنمية في المغرب والصحراء معًا، وأعلنت شركة الطيران الإسرائيليّة الرسميّة عن تنظيم 20 رحلة أُسبوعيًّا إلى المطارات المغربيّة، والقادم أعظم.

***
لم يَكذِب الرئيس ترامب هذه المرّة عندما قال إنّ تسع دول عربيّة تَقِف في طابور التّطبيع، وحدّدها بالإمارات والبحرين والسودان والسعوديّة وقطر وسلطنة عُمان والمغرب وتونس وموريتانيا، وها هي اتّفاقات التّطبيع تتناسخ وتتناسل الواحدة تِلو الأُخرى، ولا نَستبعِد أن تكون أرضيّة المُصالحة السعوديّة القطريّة التي رعاها كوشنر هي التّطبيع مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي حيث أعلن الصّهر بعد دقائق من إعلان الاتّفاق التّطبيعي المغربي الإسرائيلي أنّ تطبيع العُلاقات بين السعوديّة وإسرائيل حتميّ، رغم “غضبة” الأمير تركي الفيصل في مُؤتمر المنامة، وهُجومه الشّرس على دولة الاحتِلال الإسرائيلي، وقد يقولون لنا غدًا إنّ الأمير تركي الفيصل ليس مسؤولًا في الدّولة وغضبته لا تُمَثِّل السّلطات السعوديّة.

إيلي كوهين وزير المُخابرات الإسرائيلي كشف في وقتٍ سابق أنّ السعوديّة وقطر والمغرب من بين الدول التي من المُقرّر أن تُقيم عُلاقات مع بلاده في إطار تقارب إقليمي بدأه الرئيس ترامب، وبعد تطبيع المغرب هل ننتظر سير السعوديّة وقطر على الطّريق نفسه، وقبل خُروج ترامب من البيت الأبيض.

الرئيس ترامب يَكذِب في كُل القضايا والمواضيع الداخليّة والخارجيّة، وحصت له صحيفة “الواشنطن بوست” ثلاثة آلاف كذبة، ألفًا مِنها حول فيروس كورونا، ولكنّ التّجارب العمليّة، وتواتر عمليّات التّطبيع، أكّدت لنا أنّ كُل ما يقوله حول “الشّرق الأوسط” وحُكوماته دقيقٌ جدًّا، وهذا يعود إلى حالة الضّعف والاستِسلام التي تسود مُعظم الحُكومات العربيّة حاليًّا، وإذعانها للإملاءات الإسرائيليّة الأمريكيّة، واحتِرافها الكذب والتّضليل لشُعوبها.

بات واضحًا أن الكثير من الحُكومات العربيّة، ملكيّة كانت أم جُمهوريّة، تحل أزَماتها الاقتصاديّة، أو مخاوفها الأمنيّة النّاتجة عن فسادها وفشل سِياساتها الداخليّة على حِساب القضيّة والشّعب الفِلسطيني، والثّوابت العربيّة، ومُعظم المُكافآت الماليّة التي تَحصُل عليها هي عربيّة في الأساس، ومن الصّناديق السياديّة التي يجري “تدوير” أموالها عبر الإدارة الأمريكيّة على شكل صفقات أسلحة، أو تذهب بشكلٍ مُباشر كأثمانٍ للتّطبيع، وبأوامر أمريكيّة إسرائيليّة.

نحن أمام تحالف عربي إسرائيلي يتبلور وبشَكلٍ مُتسارع للوقوف في وجه محور المُقاومة الذي تتزعّمه إيران، ومثلما يُموّل المال العربي اتّفاقات التّطبيع هذه، فإنّه قد يُموّل الحرب القادمة ضدّ إيران التي ستكون الأراضي العربيّة، وما يتواجد فيها من قواعد أمريكيّة، الأرض التي ستجري عليها، وقد تكون الشعوب العربيّة المَخدوعة هي أكبر ضحاياها.

لم نَعُد نُفاجأ بإعلانات التّطبيع، أو رحَلات الطّيران الإسرائيلي إلى عواصم عربيّة، أو غزو البضائع والفواكة، والسيّاح الإسرائيليين لهذه الدّولة أو تلك، فقد تغوّلت مُعظم الحُكومات العربيّة في الخِيانة والمُجاهرة والفُجور، ولكنّنا على ثقةٍ بأنّ من انخرطوا في هذه الاتّفاقات هم الذين سيُفاجأون في المُستقبل القريب من الثّمن الباهِظ الذي سيدفعونه من أمنهم واستِقرار بُلدانهم ونتائج خِياناتهم للقضيّة الفِلسطينيّة ومُقدّساتها.
***

ختامًا نقول إنّ هذا الاتّفاق المغربي الإسرائيلي قد يُحَقِّق السّلام لتل أبيب ومُستوطنيها، ولكنّه قد يكون في المُقابل مشروع فِتنَة، وربّما حُروب وعدم استِقرار في دول الاتّحاد المغاربي التي ظلّت مُحصّنةً في وجه الاضّطرابات والحُروب التي سادت المشرق العربي طِوال السّنوات العشر الماضية تحت عناوين الديمقراطيّة، وبتخطيط ومُشاركة من أمريكا والدّول الاستعماريّة الأوروبيّة الأُخرى.

أمّتنا العربيّة والإسلاميّة مرّت بمراحل من الهوان والإذلال أخطر وأسوأ بكثير من المرحلة التي تَمُر بها حاليًّا، وخرجت منها قويّةً مُعافاة، ولا يُخامِرنا أدنى شك بأنّها ستتجاوز هذه المرحلة وستَخرُج من بين رُكامها قويّةً مُعافاة مُنتَصِرة.. والأيّام بيننا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نعم اتّفاق تطبيع مغربي إسرائيلي على أرضيّة “الأرض مُقابل السّلام” ولكن ليس الأراضي الفِلسطينيّة للأسف نعم اتّفاق تطبيع مغربي إسرائيلي على أرضيّة “الأرض مُقابل السّلام” ولكن ليس الأراضي الفِلسطينيّة للأسف



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:59 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 02:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

قطار ينهي حياة شيخ ثمانيني في سيدي العايدي

GMT 10:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

"خلطات فيتامين سي" لشعر جذاب بلا مشاكل

GMT 13:54 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

نصائح مهمة لتجنب الأخطاء عند غسل الشعر

GMT 13:08 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام فعاليات "ملتقى الشبحة الشبابي الأول " في أملج

GMT 16:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

كمبوديا تستخدم الجرذان في البحث عن الألغام

GMT 04:44 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميم مجمع مباني "سيوون سانغا" في عاصمة كوريا الجنوبية

GMT 06:28 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

خبير إتيكيت يقدم نصائحه لرحله ممتعة إلى عالم ديزني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca