ما هي قصّة “المنطقة العازلة” التي طرحتها السعوديّة ونفاها الحوثيون؟

الدار البيضاء اليوم  -

ما هي قصّة “المنطقة العازلة” التي طرحتها السعوديّة ونفاها الحوثيون

عبد الباري عطوان
عبد الباري عطوان

أكثر ما يُقلق القِيادة السعوديّة هذه الأيّام هو إقدام تحالف حركة “أنصار الله” الحوثيّة اليمنيّة على إطلاق صواريخ على أهدافٍ في مدينة الرياض أثناء انعِقاد قمّة العشرين التي تُشارك فيها الدول الكُبرى الأقوى اقتصاديًّا في العالم، وخاصّةً الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن الدولي إلى جانب اليابان وكوريا الجنوبيّة وتركيا.

فرئاسة المملكة لهذه القمّة يعني تعزيز مكانتها كقُوّةٍ سياسيّة واقتصاديّة كُبرى، ولكن لسُوء حظ قِيادتها، أنّ هُناك عدّة عوامل تُفسِد على المملكة توظيف هذه الفُرصة النّادرة لتعزيز هذه المَكانة، وأبرزها سُقوط حليفها الأمريكي دونالد ترامب في الانتِخابات الأخيرة، وتَصاعُد الحرب في اليمن، وظُهور مُطالبات عديدة بمُقاطعة هذه القمّة بين تدهور حُقوق الإنسان في الدولة المُضيفة، علاوةً على انتِشار فيروس كورونا الذي حوّلها إلى قمّةٍ “افتراضيّةٍ” عبر المُشاركة عن طريق الاتّصال عن بُعد.

القصف الصّاروخي اليمني يظل غير مُستبعد بالنّظر إلى تصعيد الحركة الحوثيّة لهجماتها العسكريّة على أهدافٍ في العُمق السّعودي، خاصّةً في مدينة جازان الحُدوديّة، حيث جرى قبل أسبوع إرسال العديد من الطّائرات المُسيّرة والزّوارق المَلغومة، تمّ إسقاط بعضها عبر صواريخ “الباتريوت”، بينما نجح البعضُ الآخَر في الوصول إلى أهدافه وإشعال حرائق ضخمة في مُنشآت نفطيّة تابعة لشركة أرامكو.
***
ما يُقلق القِيادة السعوديّة هذه الأيّام ليس انخِفاض العوائد النفطيّة، ولُجوئها إلى الاقتِراض وطرح سندات لسدّ العجز في ميزانيّتها، وإنّما أيضًا حرب الاستِنزاف في اليمن التي باتت كفّتها ترجح لصالح الحوثيين في الفترة الأخيرة، واحتِمال تنفيذ الرئيس الأمريكي الجديد بايدن لتعهّداته أثناء حملته الانتخابيّة بوقف جميع صفقات الأسلحة الأمريكيّة المُتطوّرة للسعوديّة حتى تتوقّف حربها في اليمن.

العُلاقات السعوديّة مع مُعظم، إن لم يَكُن كُل الإدارات الديمقراطيّة الأمريكيّة، كانت تتّسم بالتوتّر، ولا نعتقد أن هذا الوضع قد يتغيّر مع فوز بايدن في الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة، واستِمرار سيطرة الديمقراطيين على مجلس النوّاب، وربّما تزداد هذه العُلاقات تَوتُّرًا إذا قرّر الرئيس بايدن العودة إلى الاتّفاق النووي، ورفع العُقوبات الاقتصاديّة عن إيران، الأمر الذي سيسمح لها بتصدير النّفط مُجدّدًا واستِعادة عشَرات المِليارات المُجمّدة، وبِما يُمكّنها من دعم حُلفائها في لبنان (حزب الله)، والعِراق (الحشد الشعبي)، واليمن (أنصار الله)، وغزّة (حركتا حماس والجهاد الإسلامي).

كان لافتًا ما ذكرته وكالة أنباء “رويترز” العالميّة حول عرض سعودي بإقامة شريط حُدودي عازل على طُول الحُدود اليمنيّة السعوديّة على وفدٍ حوثيٍّ بقِيادة السيّد محمد عبد السلام، كبير المُفاوضين، مُقابل تشكيل حُكومة انتقاليّة ووقف إطلاق النّار، أثناء مُفاوضات على مُستوى عالٍ بين الجانبين.

الجانب السعودي يقول إنّ هذه المُبادرة انهارت بعد الهُجوم الذي شنّته الحركة الحوثيّة للسّيطرة على مُحافظة مأرب الغنيّة بالغاز وإخراج قوّات “الشرعيّة” مِنها قبل شهرين، لكنّ هُناك تسريبات تقول إنّ الجانب اليمني المُفاوض تقدُم بحُزمةٍ من المطالب أبرزها عُمق هذه المِنطقة العازلة، واقتِصارها على الجانِب السّعودي من الحُدود، والاعتِراف بالحركة الحُقوقيّة وحُلفائها كمُنتَصرين في الحرب اليمنيّة، حسب ما أكّد لنا مصدر يمني موثوق.

مصدر يمني كبير لم يَستبعِد في اتّصالٍ هاتفيٍّ معه أنْ تكون السّلطات السعوديّة سرّبت هذه المُبادرة إلى الوكالة العالميّة “رويترز” كبالون اختبار ومن أجل جسّ النّبض وأكّد أنّه ليس من مصلحة الحوثيين انتِهاء الحرب إلا بشُروطهم، ولا يُمكِن أن يقبلوا بمِنطَقةٍ عازلةٍ تشمل مُدنهم وقُراهم، لأنّ هذا يُعتَبر خيانةً لمبادئهم، والتّضحية بدِماء الشّهداء وكُل إنجازات الصّمود، حسب رأيه.
وأكّد هذا المصدر أنّ مِنطَقةً عازلةً في زمن الصّواريخ والمُسيّرات تُعتَبر “نكتة” غير مُضحِكَة على الإطلاق، وأشار إلى أنّ التيّار المُتشدّد في أوساط الحوثيين وهو الغالب، ويُؤمِن بأنّ تركيع السّعوديين بوسائل الضّغط الفاعلة مِثل الصّواريخ، ومُحاولة السّيطرة على مأرب، هو الطّريق الأقصر لإجبار السّعوديين على التّفاوض مِن موقع قوّة وفرض الشّروط، وهذا ما يُفَسِّر صُدور نفي سريع لهذه المُبادرة من جانب الحوثيين وامتِناع السّعوديين عن التّعليق.

النّقطة الأُخرى التي لا تقلّ أهميّةً، أنّ حركة “أنصار الله” الحوثيّة باتت كُتلةً رئيسيّةً في محور المُقاومة الذي تتزعّمه إيران، ومن المُستغرب أن تُشجّع إيران حليفها الحوثي في الدّخول في أيّ مُفاوضات في الوقتِ الرّاهن مع السعوديّة في ظِل فوز بايدن وهزيمة ترامب، فالإيرانيّون مشهورون بالنّفس الطّويل، وعدم التّسرّع، خاصّةً في المراحل الضبابيّة مِثل المرحلة الانتقاليّة الأمريكيّة الحاليّة.


***
ما يُمكن استِخلاصه من ثنايا هذا العرض، سواءً كان جِدّيًّا أو بالون اختِبار، أنّ القِيادة السعوديّة تُعطِي أولويّةً قُصوى لوقف الحرب بأقلّ قدر مُمكن من التّنازلات، ودُون أيّ اعتِبار لمطالبها السّابقة التي استخدمتها كمُبَرِّرٍ لإشعال فتيلها قبل ما يَقرُب من السّت سنوات، مِثل عودة الحُكومة “الشرعيّة” بقِيادة الرئيس عبد به منصور هادي، وتوارد أنباء عن وجود خِلافات مع حليفها الإماراتي، وغرق اليمن في حالةٍ من الفوضى والانقِسامات.

من الصّعب علينا التنبّؤ بتطوّرات الأيّام والأشهر المُقبلة المُتعلّقة بالحرب اليمنيّة، ولكن إذا حاول الرئيس ترامب مُجدَّدًا تنفيذ تهديداته بوضع حركة “أنصار الله” على قائمة الإرهاب، فإنّه بذاك يقضي على فُرص الحُلول السلميّة، وتوسيع دائرة الحرب، ووصول ألسنة لهبها إلى مِنطَقة الخليج، وربّما فِلسطين المُحتلّة أيضًا.. واللُه أعلم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما هي قصّة “المنطقة العازلة” التي طرحتها السعوديّة ونفاها الحوثيون ما هي قصّة “المنطقة العازلة” التي طرحتها السعوديّة ونفاها الحوثيون



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء

GMT 14:11 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

جمعية خيرية تنظيم حملة للتبرع بالدم في تاوريرت

GMT 09:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيقاف وسيط في تجارة الممنوعات بالقصر الكبير
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca