لازمة مجلس الأمن

الدار البيضاء اليوم  -

لازمة مجلس الأمن

محمد الأشهب


في الموعد نفسه وبإيقاع لا يتغير، يعاود مجلس الأمن في كل نيسان (أبريل) تقليب صفحات نزاع الصحراء، ليخلص إلى تمديد ولاية بعثة «مينورسو» وحض الأطراف كافة على دعم خيار الحل السياسي والتعاون مع بعضها والأمم المتحدة لإحراز تقدم مشجع. إنها لازمة تتكرر.
لا يكترث مجلس الأمن بطول أمد نزاع تعاقب على مساعي حله ما لا يقل عن خمسة أمناء عامين للأمم المتحدة، وضعفهم مع الموفدين الشخصيين والدوليين. فيما الأطفال الذين ولدوا في فترة التوتر الإقليمي شارفوا العقد الرابع، أما من كانوا شباباً فقد قادتهم الأعمار إلى الشيخوخة. ولم تتحقق الآمال في أكثر من 15 سنة تعتبر أقل مما استغرقته جهود التسوية السلمية التي تراوح مكانها.
في تفاصيل حوار دار بين الأمين العام للأمم المتحدة كورت فالدهايم والملك الراحل الحسن الثاني، يوم جاء يدعوه إلى إرجاء انطلاق «المسيرة الخضراء» مقترحاً دوراً أكبر للأمم المتحدة في إنهاء آخر مواجهة ديبلوماسية بين مدريد والرباط وقتذاك، برزت فكرة أن تعاطي المجتمع الدولي أحياناً كثيرة مع التوترات الإقليمية يشبه تشكيل اللجان التي تقبر الملفات، في ضوء تأثير التقادم وتراكم الإحباط.
المثير فعلاً أن المغرب وإسبانيا توصلا إلى اتفاق إنهاء خلافات قادت إلى انسحاب الإدارة والجيش الإسبانيين من الساقية الحمراء ووادي الذهب، ما يرجح الاعتقاد بأن أسلوب الحوار ومنهجية المفاوضات يحققان مدى أبعد، مما تستطيعه المواجهات الميدانية. كان يكفي أن يكون بلدان أحدهما أوروبي والآخر عربي على طرفي نقيض، ليتم التوصل إلى حل مشرف للطرفين، لكن عندما يصبح النزاع إقليمياً في فضاء مغاربي أو عربي تبتعد حظوظ التسويات أكثر.
اللافت في نزاع الصحراء أنه عاد إلى نقطة الصفر بعد وقف النار، وإذا كانت الأمم المتحدة ألزمت الأطراف المعنية بشيء استطاع أن يصمد فهو وقف المعارك. لولا أنها تخاض بوسائل وآليات أخرى تعطل خيار التسوية وتبقي على الارتياب والحذر وعدم الثقة. ولن يكون في وسع مجلس الأمن أن يفعل أكثر من تقديم توصياته للأطراف المعنية. فهناك انشغالات تؤرق العالم وتهدد الأمن والسلام، تفوق في حدتها ملابسات نزاع الصحراء الذي دخل دائرة النسيان، ما يفسر ارتفاع أصوات ترغب في معاودة حمل السلاح لمجرد لفت الانتباه. لكن التاريخ لا يعود إلى الوراء.
يمكن لمنطقة الشمال الأفريقي أن تعتلي الواجهة بمبادرات غير مسبوقة، لن يكون الاتجاه إلى التصعيد من بين أجندتها. فقد أخلفت أكثر من موعد واستحقاق. مرت عليها سنوات ما بعد نهاية الحرب الباردة، ولم تتخلص من تداعياتها، لأن نفوذها لم يغادر العقول التي ما زالت تؤمن بأسوار الحدود وقطيعة المواقف وصدام الإيديولوجيات. بل إن نقطة الضوء التي تراءت بسعة الآمال التي أنعشها تأسيس الاتحاد المغاربي، سرعان ما خفت بريقها. وعوض أن يصبح الاتحاد رافداً قوياً لإنهاء الخلافات وتكريس التكامل والإخاء، ارتد إلى الخلف، ليس لكونه عجز على تذويب نزاع الصحراء في إناء التوجه الوحدوي المنشود فقط، وإنما لأنه تأثر سلباً بمضاعفاته، وصار مجرد التئام قمة مغاربية منذ أزيد من عشرين سنة حلماً بعيد المنال.
برزت الفكرة المغاربية ثلاثية في فترات كفاح بلدان الشمال الأفريقي ضد الاستعمار، بخاصة بين المغرب والجزائر وتونس، عندما لم يكن شيء اسمه ملف الصحراء، ثم تطورت لتصبح خماسية بعد انضمام كل من ليبيا وموريتانيا في غضون انتشار ظلال تفاهمات إقليمية أوسع، رامت وضع رمال التوتر الصحراوي وراء المشروع الواعد. لكن ذلك لم يعمر أكثر من بضع سنوات انفراج تلتها أعوام انفجار.
ماذا يستطيع مجلس الأمن في ضوء تعقيدات المشهد المغاربي الذي لم يعد يحتمل شروخاً إضافية. الأكيد أنه سيبحث في تطورات المواقف، وستكون خلاصات الموفد الدولي كريستوفر روس ضمن أجندة المرجعيات. فقد حاول استباق الموعد السنوي بأكثر من جولة استكشافية لولا أن مهتمه لا تزيد على رصد المواقف وتشخيص الحالة المستعصية. وما لم تقم الأطراف المعنية بخطوات جريئة في تلمس طريق الخلاص من مشكل طال أمده، لا يمكن توقع صدور مبادرة من مجلس الأمن في هذا الاتجاه. فهو يتعاطى مع التقارير والخلاصات، فيما الواقع على الأرض يشير إلى استمرار المأساة، إن لم تكن في صورة تدهور أمني مرفوض، فأقله على صعيد معاناة سكان المخيمات الذين أضيفوا بقوة الأشياء إلى الأفواج الغفيرة للاجئين، وغالبيتهم من أصول عربية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لازمة مجلس الأمن لازمة مجلس الأمن



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca