المغرب: لغز بن كيران

الدار البيضاء اليوم  -

المغرب لغز بن كيران

محمد الأشهب

يصعب تصنيف حال رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بن كيران في تراتبية سياسية، أنه المسؤول الأول عن الإدارة وتدبير الملفات، بما فيها الاستحقاقات الانتخابية، لكنه في ذات الوقت ما فتئ يكيل الاتهامات إلى من يعتبرهم «قوى مناوئة» للإصلاح والاستقرار. بل إنه ذهب إلى حد صراخ الاستغاثة حيال القادم من ممارسات، يرى أنها تعيد البلاد وتجربتها السياسية إلى نقطة الصفر.
  ما يبعث على الدهشة أن الرجل الذي وضعت الإدارة رهن إشارته، وفق مقتضيات دستورية متطورة، يشتكي من أنه لا يستطيع سوى المجاهرة بأشكال وصور الأعناق التي تشرئب لمعاودة فرض سيطرتها على المشهد السياسي والحزبي. ومع أن الحملات الانتخابية لم يحن أوانها، فقد صاغ رئيس الحكومة «برنامجاً انتخابياً» لافتاً في رمزيته ومضمونه، لا يكاد يخرج عن سياق ما عرفه المغرب إبان حراك شباب 20 فبراير.
  من موقعه السياسي والاعتباري لا يتحدث رئيس الحكومة من فراغ، وقال بالحرف الواحد في أكثر من مناسبة إنه يعرف ما يقوله، أي أنه يدق أجراس الإنذار بأصوات عالية، لا يمكن أن يحجبها حاجز. ولم يسبق لأي رئيس حكومة أن اختار هذا الأسلوب في التحذير من «مخاطر محدقة» إلى درجة أنه تمنى على الرأي العام استشعار ما يراه من عواقب وخيمة على استقرار البلاد. وكي يكون أكثر وضوحاً، اتهم لوبيات ما يصفه بـ «التحكم» بالاشتغال في الظلام لتمرير خطة غير ديموقراطية.
  يلوح بن كيران لمن يراه ولمن لا يراه، بأن هناك ثوابت في المرجعية يحظر الاقتراب منها، وقد اتخذ من حربه على «العلمانيين» الجدد، وعلى من ينعتهم بحَمَلَة أيديولوجية الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، حصان طروادة الذي يؤمن بأنه يعبد لحزبه «العدالة والتنمية» الطريق أمام ولاية ثانية مريحة، يرهنها دائماً بالعفة السياسية والأخلاقية وعدم التطاول على المال العام واستمرار إنجاز إصلاحات عصية على التقبل.
  اللافت في تحذيرات رئيس الحكومة أنها تأتي على مشارف الانتخابات الاشتراعية للسابع من أكتوبر (تشرين أول) القادم. وردد أكثر من مرة أنه لم يبق سوى ثلاثة أشهر، عند احتساب شهر رمضان الفضيل ومواسم العطل وتحديات الموسم الدراسي. لكن لماذا ثلاثة أشهر؟ الراجح أنه يشير ضمنياً إلى أن هذه المهلة القصيرة جداً، لا يمكن أن تتوج بصنع غالبية نيابية ينفرد بها حزب مناوئ للإسلاميين، ولعله يقصد بذلك أن المسافة التي فصلت حزبه في اشتراعيات 2011، عمن احتل الصف الثاني والثالث والرابع، لا يمكن أن تذوب مثل قطعة سكر في الماء.
  وقد فهمت انتقادات وجهت ضد السيدة هيلاري كلينتون المترشحة للرئاسيات الأميركية، لناحية دعمها حيازة «العدالة والتنمية» الذي يتزعمه رئيس الحكومة المرتبة الأولى، أنها تروم التخفيف من استقراءات متعددة الاتجاهات، في وقت تبدو التحالفات الحزبية أكثر تأثراً باحتمالات هذا الاستئثار. لذلك، قال عبد الإله بن كيران صراحة إن الحزب الوحيد الذي يشاركه في التنبيه إلى مخاطر الانتكاس هو التقدم والاشتراكية ذو المرجعية اليسارية. بينما يقف حزب الاستقلال في موقع وسط، لا هو يميل إلى تحالف مطلق وغريمه السابق «العدالة والتنمية» ولا هو يقترب إلى شركاء سابقين في تحالف المعارضة.
  التطور الجديد الذي حدث، هو أن «الاتحاد الاشتراكي» أبرم تحالفاً تنسيقياً و «الأصالة والمعاصرة» الذي ما فتئ يتلقى الضربات من رئيس الحكومة الذي يرجح أنه اتخذ من هذا القفاز الذي يضعه على يديه برنامجاً انتخابياً يثير الاهتمام.
  غير أن كلامه يخفي الكثير من المرارة والخيبة. فقد راهن المغرب على القطع مع ممارسات سلبية، لجهة صنع الخرائط الانتخابية والحزبية، ولا يزال رئيس الحكومة عند قناعته بعدم العودة إلى الوراء، فقط يتعين استخلاص قناعات حقيقية بأن المعارك والمنافسات الانتخابية قائمة بين الأحزاب. وربما أن بن كيران يضاعف من ضغوطه لتأمين الاستحقاقات القادمة من الشوائب. وليس أبعدها أن ثلاثة أشهر على حد تعبيره لن تصنع غالبية منسجمة ومتضامنة بشرعية ديموقراطية خالية من أي قدح أو انتقاد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المغرب لغز بن كيران المغرب لغز بن كيران



GMT 07:17 2016 الثلاثاء ,09 آب / أغسطس

بن كيران والاستحقاق الانتخابي

GMT 06:19 2016 الأحد ,10 تموز / يوليو

إرهاب «داعش» والإساءة إلى الإسلام

GMT 06:22 2016 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحالف «الكبار»

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca