أزمة «الاتحاد المغاربي»

الدار البيضاء اليوم  -

أزمة «الاتحاد المغاربي»

بقلم : محمد الأشهب

دليل آخر على التأثير السلبي لنزاع الصحراء في مسار «الاتحاد المغاربي» العالق عملياً، برز هذه المرة على هامش القمة الإفريقية التي استضافتها كيغالي عاصمة رواندا. وإذا كان مفهوماً أن خلافات الرباط والجزائر تزيد اتساعاً كلما أثير الموقف حيال التوتر القائم في شمال غرب إفريقيا، فإن انحياز ليبيا إلى المغرب في مقابل عدم مجاراة كل من تونس وموريتانيا التوجه نفسه، طرح أسئلة جوهرية حول الأفق المحتمل أمام «الاتحاد المغاربي».
ليس الموقف جديداً، وقبل إبرام معاهدة مراكش التي صاغت أسس البناء المغاربي مطلع العام 1989، توزعت المواقف إلى محورين، أحدهما يضم المغرب وطرابلس اللذين أبرما معاهدة وحدة خارج النسق والتوجهات العامة للبلدين، والثاني شمل الجزائر ونواكشوط وتونس في اتفاق ثلاثي أملته تطورات المرحلة. ولم يتسن الخروج من نفق المحاور إلا في ضوء الالتفات إلى قضايا عربية، حتمت وقتذاك بذل جهود مضاعفة من بلدان الشمال الإفريقي لفائدة الجهود العربية.
لكن التأثير الأكبر كان استشرافياً، ركز على معاودة ترتيب البيت المغاربي على إيقاع تحولات دولية، همت ظهور الملامح الأولى لانهيار الحرب الباردة، ما جعل تناقضات الخيارات الاقتصادية والإيديولوجية للدول المغاربية تتضاءل أمام التحديات الجديدة. والتقطت بلدان الاتحاد الأوروبي، المتوسطية بخاصة، حاجتها إلى متنفس جنوب البحر المتوسط، وحضت الشركاء المغاربيين على السير معا، ضمن منظومة 5+5 التي تضم دول شمال وجنوب البحر المتوسط.
جاء تأسيس «الاتحاد المغاربي في توقيته وأهدافه واستراتيجيته ملائماً، وبدا أن منطقة الشمال الإفريقي في إمكانها أن تشكل رافدا إضافيا لدعم العمل العربي المشترك، لاسيما أنه ضم دولا تخلصت من خلافاتها مع بعضها حيال التعاطي والقضايا العربية، بعد أن كانت توزعت إلى محور اعتدال في مقابل ما كان يعرف بجبهة الصمود والتحدي.
لكن المنطقة واجهت تحديات من نوع آخر، لم يكن التعاطي وتنامي مد الحركات الإسلامية بعيداً عن التأثير فيها، انطلاقاً من بدء العشرية الدامية التي عاشتها الجزائر، وكذا نزوع كل من تونس وليبيا إلى فرض قبضة حديدية في مواجهة التيارات الإسلامية. ولئن تباينت المواقف حول منهجية هذا الملف، في انتظار انقشاع السحب التي تلبدت لاحقاً، من خلال موجة حراك ما يعرف بالربيع العربي، فإن الوقع السلبي لاستمرار أزمة الصحراء ألقى بظلال قاتمة على المسار المغاربي، إذ تعثرت جهود البناء وانحصرت الآمال ، إلى درجة الإخفاق في مجرد التئام قمة مغاربية منذ أزيد من عشرين عاماً.
جاذبية «الاتحاد المغاربي» التي حتمت تناسي خلافات محتدمة، همت بالدرجة الأولى إبعاد ملف الصحراء عن جدول أعمال القمة المغاربية. كان ذلك أشبه بقرار وفاقي، عززه أن الملف وضع على مكاتب الأمم المتحدة. غير أن صعوبات إحراز تقدم على هذا المسار كان له تأثير مضاعف على العلاقات بين بلدان المنطقة.
ما حدث الآن أن طرح ملف الصحراء، وإن بطريقة محتشمة أمام قمة كيغالي الإفريقية آل إلى معاودة بروز سياسة المحاور، سواء تم الإقرار بذلك أو اعتبر الأمر مجرد مصادفة. فالثابت على الأرض أن «الاتحاد المغاربي» يواجه أزمة وجود. ولم يبق من معالمه إلا تبادل رسائل التهاني كلما حلت ذكراه. أما على الصعيد العملي فلا شيء يوحي أن هناك إطاراً سياسياً واقتصادياً في إمكانه استيعاب تحديات المرحلة، أكان ذلك على صعيد العلاقات البينية، أو في نطاق تأمين حضور داعم للموقف العربي، أو حتى بالنسبة لمجالات وجولات الحوار مع الشريك الأوروبي.
إلى نقطة الصفر، عاود المغاربيون الانكفاء، وكأن ما من شيء يحذوهم إلى تجاوز المعضلات التي تواجه المنطقة برمتها. وأيا كانت تفسيرات المواقف التي شهدها المؤتمر الأخير لمنظمة «الاتحاد الإفريقي» فإنه بات صعباً الحديث عن صوت مغاربي موحد. وتلك هي المشكلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزمة «الاتحاد المغاربي» أزمة «الاتحاد المغاربي»



GMT 08:17 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

معنى استعادة سرت من «داعش»

GMT 08:15 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

لغة الإشارات بين المغرب والجزائر

GMT 08:14 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

عن التناوب الحكومي في المغرب

GMT 08:13 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

التحالف الإسلامي ومواجهة «داعش»

GMT 07:17 2016 الثلاثاء ,09 آب / أغسطس

بن كيران والاستحقاق الانتخابي

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca