منطق الحوار

الدار البيضاء اليوم  -

منطق الحوار

محمد الأشهب

دفع المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن كوبلر إلى مغادرة ليبيا، لن ينتج منه بالضرورة فك الارتباط وجهود المجتمع الدولي لحل الأزمة المستعصية. فقد خرجت التطورات عن زمام أي مبادرة شخصية. ومع كوبلر أم مع سلفه أو من يتولى مسؤولية إدارة الصراع بعده لن يُغير اي شيء. هناك فرصة واحدة أمام الأطراف الليبية، إما الاتفاق النهائي الشامل على أجندة نتائج حوار المصالحة السياسية، أو القفز في اتجاه مجهول.
المشكلة في الأزمة الليبية ليست بين ليبيا على اختلاف أجنحتها المتناحرة، والأمم المتحدة، فهي أبعد من أن تفرض اتفاقاً على الأطراف من دون رجاحة منطق الحوار بينهم. ولكنه يخص العقلية المتحكمة في أشواط ومراحل الحوار، ومن الصعب أن تعود المياه إلى مجاريها الأولى بعد إبرام اتفاق تشكيل حكومة وحدة وطنية، أقله أن الأمم المتحدة لا يمكنها أن تستنسخ مواقفها الداعمة أو تسحبها لمجرد أن هناك من يرى الاتفاق ناقصاً.
في أي مفاوضات تكون ثمة ملاحق وآليات للتدقيق في الإجراءات ذات الصلة بإنجاح أي اتفاق. وعادة ما تكون مفتوحة أمام إمكان إدخال تعديلات جزئية، وطالما أن الأطراف التي وقعت على اتفاق الصخيرات في حضور دولي لافت أقرت بأنه ليس كاملاً ولا يرقى إلى كل الطموحات، سيظل الباب نصف موارب أمام تطوير الاتفاق، فقد يبدو عند الانتقال إلى تجسيده على أرض الواقع أن هناك ثغرات وهفوات تحتاج إلى معاودة النظر.
كل ذلك رهن إرادة الذهاب بعيداً في اتجاه إقرار مصالحة حقيقية، وأقصى ما فعلته الأمم المتحدة التي استشعرت الأخطار المحدقة بالأمن والاستقرار والسلام في المنطقة أنها جذبت الفرقاء إلى مظلة الحوار السياسي وإبرام اتفاق لا يشكل نهاية المبتغى. غير أن إجبار مبعوث الأمم المتحدة الخاص على مغادرة البلاد، في ظروف أقل ما توصف به أنها استفزازية، لابد أن تترتب عليه مواقف أكثر تشدداً. أكان ذلك من خلال نفض الأمم المتحدة يدها من إدارة صراع انتهى إلى مأزق سياسي وأخلاقي، أو عبر استخدام وسائل أخرى غير مستبعدة، من قبيل اللجوء إلى القوة العسكرية التي لن تنعدم مسوغاتها.
ثمة رابط لا يمكن تجاهله، محوره أن التعاطي وتمدد التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمها «داعش» أصبح مختلفاً، أكان ذلك على مستوى قيام التحالف الإسلامي بقيادة السعودية، أو في نطاق اشتداد الضربات الموجهة إلى معاقل وملاذات التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق، ومن الصعب تصور التمدد الإرهابي في ليبيا، كما منطقة الساحل جنوب الصحراء، من دون ردود أفعال حاسمة هذه المرة. ومن المستبعد أن يذعن المجتمع الدولي إلى شروط الفصائل الليبية المتناحرة، بمعزل عن أهدافه الإستراتيجية التي تفوق حسابات هذه الأطراف.
لقد تدرّج الموقف الدولي، بخاصة في ضوء التفجيرات الإرهابية التي كانت باريس مسرحاً لها، وفي غضون تنامي ظاهرة موجة اللجوء العارم للنازحين السوريين إلى البلدان الأوروبية، بما لا يجعل العودة إلى نقطة الصفر ممكنة. ولن يكون أمام الأطراف الليبية أي خيار آخر غير الاندماج في صيرورة هذا التحول، أو التعرض إلى ضغوط حقيقية هذه المرة.
لا توازي حسابات الأطراف الليبية المنظور الآخر الذي فرض ذاته في سياق الحرب على الإرهاب. وما من شك في أن القضية لم تعد تحتمل الإبقاء عليها في رفوف الإهمال والتساهل، ولئن كان صحيحاً أن هناك نزاعات إقليمية، بخاصة في إفريقيا لا تزال ذات طبيعة مذهبية أو عرقية أو قبلية، فالصحيح أيضاً أن التركيز على الأزمة الليبية بات ضمن الأسبقيات، ولو أن الحل من طريق وفاق الأطراف المتناحرة لم يتبلور بعد في صيغته النهائية. ومن غير الوارد بعد كل الجهود التي بذلت أن ينتظر المجتمع الدولي توصل الأطراف ذاتها إلى اتفاق، في حال لم يكن اتفاق الصخيرات حافزاً مشجعاً لها.
يقال عادة إن السياسة هي التوقيت. ولا يبدو أن هناك قناعة حقيقية تسود الشركاء الليبيين بأن ما بعد إبرام اتفاق الصخيرات، وإن لم يكن مكتملاً، سيكون مثل قبله من المماحكات والتموقعات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

منطق الحوار منطق الحوار



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca