أوبرا توت عنخ آمون

الدار البيضاء اليوم  -

أوبرا توت عنخ آمون

زاهي حواس
بقلم : زاهي حواس

تحتفل مصر بمرور مائة عام على كشف مقبرة الملك توت عنخ آمون، أعظم كشف أثرى فى القرن العشرين. تمكن هيوارد كارتر من الوصول إلى مدخل المقبرة يوم الرابع من نوفمبر من عام ١٩٢٢، واستطاع أن يرمم ٥٣٩٨ قطعة أثرية على مدار عشر سنوات، ليخرج للعالم أعظم كنز أثرى من مصر. وهو الذى سوف يزين المتحف المصرى الكبير حين افتتاحه. وبهذه المناسبة الفريدة سيأتى إلى الأقصر آلاف من المحبين للملك توت من كل مكان بالعالم، وذلك فى شهر نوفمبر القادم. ويعد لذلك الدكتور خالد العنانى، وزير السياحة والآثار، احتفالية كبيرة بالتعاون مع مركز البحوث الأمريكى فى مصر، حيث تولى رئيسة المركز، لويس بارتينى، اهتماما كبيرا بكل تفاصيل الاحتفال وما سوف يتم من فعاليات على مدار ثلاثة أيام.
لقد تم بالفعل دعوة أربعين عالما من المهتمين بآثار وتاريخ الملك توت للمشاركة فى المؤتمر العالمى الذى سوف يتم افتتاحه داخل فندق سونستا بالأقصر. ويناقش العلماء، خلال المؤتمر، كل ما يتعلق بآثار الفرعون الذهبى، خاصة أن هناك العديد من المناقشات التى تدور حول قطع أثرية بعينها مثل كرسى العرش والقناع والتوابيت والمقاصير، وهناك نقاش حول موقع المعبد الجنائزى الخاص بالملك توت، وسبب وفاته. وسوف تدور مناقشات حول المقبرة نفسها وهل كانت تخص (أى) الذى تولى الحكم بعد وفاة توت؟! وهل توجد مقبرة الملكة نفرتيتى خلف الحائط الشمالى من مقبرة توت؟ أم أن ذلك مجرد خرافة؟

وسأقوم بإلقاء المحاضرة الرئيسية فى المؤتمر التى تدور حول آخر الاكتشافات عن حياة وممات وعائلة الملك توت عنخ آمون. تم الاتفاق على أن تكون هذه المحاضرة ليلة افتتاح المؤتمر وقبل العشاء الذى يقام بمعبد الأقصر، الذى تتحمل تكاليفه مؤسسة محمد أبوالعينين، مساهمة من المؤسسة لإخراج هذا الحدث بشكل يليق بقيمة مئوية الكشف الأثرى الذى أبهر العالم كله.

وسوف ينتقل الحاضرون الى استراحة هيوارد كارتر بالبر الغربى التى قمت بترميمها وإعدادها كمتحف فى عام ٢٠٠٩، وكنت وقتها الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار. ويقوم حاليا مركز البحوث الأمريكى بأعمال الصيانة والترميم لاستراحة ومتحف هيوارد كارتر، حيث يقوم بافتتاحة الدكتور خالد العنانى، وزير السياحة والآثار، مع فعاليات افتتاح المؤتمر. وعقب فعاليات افتتاح استراحة ومتحف هيوارد كارتر تقام مأدبة غداء فى حديقة المتحف مساهمة من شركة أبركرومبى وكنت للسياحة من خلال رئيسها التنفيذى عمرو بدر، الذى يؤمن بضرورة نجاح الحدث الذى تنظمه مصر.

ويقيم الدكتور خالد العنانى احتفالا ضخما أمام مقبرة الملك توت عنخ آمون، يشارك فيه كل السائحين الموجودين فى وادى الملوك فى ذلك اليوم.

أعود الى محاضرتى الرئيسية فى المؤتمر بصفتى الأثرى الوحيد الذى عمل بتوسع فى حفائر بوادى الملوك، وذلك منذ عام ٢٠٠٧ والى وقتنا هذا، مع فترة توقف فيما بين ٢٠١١ وحتى ٢٠١٧ بعد الأحداث التى مرت بها مصر. وقد ركزت العمل فى وادى الملوك الغربى الذى يطلق عليه اسم وادى القرود، نسبة إلى المنظر الموجود داخل مقبرة الملك أى، الذى يصور قردة البابون رمزا للساعة الأولى من كتاب الإيمى دوات، أو ما هو موجود بالعالم الآخر. وقد قمت بالكشف عن أربع ودائع للأساس. تضم كل وديعة أوانى فخارية وأدوات ظرانية ومعدنية ورأس ثور صغير. ومن المعروف أن المصريين القدماء كانوا يقومون فور الانتهاء من حفر المقبرة بعمل خمس ودائع أساس للاحتفال بالانتهاء من بناء المقبرة، لكن يبقى أننا عثرنا على أربع ودائع فقط!.

وقد قمنا بعمل مسح رادارى بجوار الودائع المكتشفة عن طريق جامعة تورنتو. وجاء تقرير المسح الرادارى ليؤكد وجود مدخل محتمل بالقرب من مكان الودائع، وبدأنا الحفائر ولم نجد المدخل! عثرنا بعد ذلك على منطقة الورشة لتجهيز زخارف التوابيت، بالإضافة إلى الكشف عن ٤٥ ورشة داخلها فخار يرجع إلى الأسرة الثامنة عشرة، استعملت فى تطهير المقتنيات التى توضع داخل المقابر، هذا بالإضافة إلى أماكن تخزين المياه والطعام. كما قمنا بالكشف أيضا عن ورشة التحنيط داخلها إناء على شكل طبق يستعمل فى التجميل.

ولايزال أهم ما قمت به هو الكشف عن عائلة الملك توت عنخ آمون، وذلك عن طريق الحامض النووى، حيث كنا لا نعرف من هو أبوالملك توت؟ هل هو أخناتون أم أمنحتب الثالث؟ ولا نعرف أيضا من هى أمه؟ هل هى الملكة كيا؟ أو تى؟ أو نفرتيتى؟ ولدينا من أفراد عائلة توت مومياء يويا ومومياء تويا، وهما والد وأم الملكة العظيمة تى زوجة الملك أمنحتب الثالث، والذى توجد لدينا مومياؤه هو أيضا، إلى جانب مومياء توت نفسه. وعلى الجانب الآخر هناك مومياوات يعتقد فى صلتها بالأسرة، خاصة المومياء التى عثر عليها بالمقبرة رقم ٥٥ بوادى الملوك، والتى أثيرت حولها الشكوك، وهل هى مومياء أخناتون؟ أم سمنخ كارع؟، وكذلك المومياء المعروفة بالسيدة الكبيرة ومومياء السيدة الصغيرة. وقد اعتقد هيوارد كارتر أن مومياء السيدة الكبيرة هى للملكة تى! حيث عثر داخل مقبرة توت على تابوت صغير به ضفيرة شعر مسجل عليه اسم الملكة تى. وقد قام كارتر بعمل مقارنة بين شعر السيدة الكبيرة والشعر الموجود داخل التابوت ووجد أنهما متطابقان. كذلك اعتقدت الباحثة الإنجليزية، جوان فليتشر، أن مومياء السيدة الصغيرة هى مومياء الملكة نفرتيتي!.

بدأت المشروع البحثى ومعى الدكتور يحيى جاد والدكتورة سمية إسماعيل وفريق متخصص بالكشف وتحليل الحامض النووى، وفريق آخر متخصص فى الأشعة المقطعية، يرأسه الدكتور أشرف سليم والدكتورة سحر سليم، والدكتور هانى عبدالرحمن. قمنا بعمل الأشعة المقطعية لكل مومياوات الأسرة ١٨. وقد أسفرت أبحاث الحامض النووى عن أن المومياء التى عثر عليها داخل المقبرة ٥٥ تخص الملك أخناتون، وأنه أبوالملك توت عنخ آمون وابن الملك أمنحتب الثالث والملكة تى. وكذلك فإن مومياء السيدة الكبيرة وبمقارنتها بمومياء يويا وتويا تأكد أنها ابنتهما، وأنها أم الملك أخناتون، أى أنها بالفعل مومياء الملكة العظيمة تى. أما مومياء السيدة الصغيرة فقد اتضح أنها أم الملك توت عنخ آمون، وبنت الملك أمنحتب الثالث والملكة تى، لكن مازلنا نجهل اسمها، فهناك خمس بنات للملك أمنحتب الثالث والملكة تى، ومن الصعب معرفة اسم أم الملك توت من بين الخمسة أسماء.

بدأنا المشروع عن طريق تمويل من قناة ديسكفرى، وقمنا من خلاله ببناء معملين لتحليل الحامض النووى، أحدهما فى بدروم المتحف المصرى، والآخر فى كلية طب قصر العينى، وذلك أثناء عمادة الدكتور أحمد سامح فريد، وقد تم نقل هذا المعمل الآن إلى متحف الحضارة، ونقوم حاليا، بالتعاون مع مؤسسة الناشيونال جيوجرافيك، بالبحث عن مومياء الملكة نفرتيتى، ومومياء الملكة عنخ إس إن آمون من خلال ما لدينا من الحامض النووى لمومياوات مثل أمنحتب الثالث وتحتمس الرابع وأخناتون، وتوت عنخ آمون، والملكة تى، وعلى الجانب الآخر لدينا مومياوات لسيدات بدون أسماء مثل مومياء بدون رأس ومومياء أخرى عثر عليهما بالمقبرة رقم ٢١ بوادى الملوك، إضافة إلى المومياء المعروفة بالمرأة الصارخة رغم أنها تحمل اسم مريت آمون! ونعرف أن ابنة الملك سقنن رع، الذى مات شهيدا وهو يحارب الهكسوس، كانت تسمى مريت آمون، إضافة إلى الأميرة مريت آمون، ابنة رمسيس الثانى. وأعتقد أن المومياء التى بدون رأس تخص الملكة عنخ إس إن آمون، والمومياء الأخرى تخص الملكة نفرتيتى. وعموما فقبل الاحتفال بمئوية الملك توت سيتم الإعلان عن نتائج البحث عن باقى عائلته. وهناك أيضا مومياء الشاب التى عثر عليها بين مومياء الملكة تى ومومياء ابنتها أم الملك توت داخل المقبرة رقم ٣٥ بوادى الملوك، وقد قمت بنقلها داخل عربة إلى مستشفى الأورمان بالأقصر، حيث تم الكشف عليها بجهاز الأشعة المقطعية. وقد اتضح أن هذا الشاب مات ولم يتخط العاشرة من عمره. وهناك من يعتقد أنه سمنخ كارع، أو قد يكون ابن الملك أمنحتب الثالث والملكة تى. وعموما سوف نعرف هوية هذه المومياء عن طريق تحليل الحامض النووى.

هناك أيضا الدراسات التى قام بها الفريق المصرى على مومياء الملك توت، وذلك لمعرفة سبب الوفاة، خاصة أن هناك من يعتقد أن توت قد قتل! ومن أدلتهم وجود ثقب خلف رأس الملك! لكن استطعنا تأكيد حدوث الثقب أثناء التحنيط وعن طريق المحنطين. هذا بالإضافة إلى وجود كسر غير ملتئم بالركبة اليسرى بينته الأشعة المقطعية التى تشير إلى حدوثه قبل وفاة الملك بوقت قصير، ربما يومان! وربما حدث نتيجة حادث صيد بالعربة الحربية، حيث كان توت يعانى من عيب بالقدم يعوقه عن المشى بدون مساعدة العصا. وقد عثر على أكثر من ١٣٠ عصا للمشى داخل مقبرته. وجار الآن البحث عما إذا كان قد حدث للملك تسمم بالقدم أم لا، ولو تأكد ذلك، فسوف نعلن أن الملك توت عنخ آمون مات فى حادثة.

أما عن الحفائر بالوادى الشرقى بجوار مقبرة الملك توت فقد كشفت عن أكثر من ألف اوستراكا تحمل كتابات ورسومات. وفى الوادى الغربى عثرنا على المقبرة رقم ٦٥ التى لم تستخدم فى الدفن، لكن لدفن الأدوات المستعملة فى حفر المقابر، وخلف مقبرة الملكة حتشبسوت عثرنا على مقبرة تمت إعادة حفرها وأعطيناها رقم ٦٦.

ومن الشخصيات المهمة التى سوف تحضر احتفالات مئوية الكشف عن مقبرة توت عنخ آمون فيونا كارنافون وزوجها اللورد جورج كارنافون.

أما عن الجديد فقد كتبت أوبرا توت عنخ آمون التى تتناول، بشكل درامى، حياة ووفاة الملك توت عنخ آمون، حيث سئمت من عرض أوبرا عايدة! وجار الاتفاق مع مؤسسة أبوالعينين لكى تقوم بتمويل هذا الحدث الثقافى المهم. وقد قام بوضع الموسيقى الموسيقار الإيطالى الشاب لينو زمبونى، وحول النص الإنجليزى الى الإيطالية فرانشيسكو كوتونى، وهناك احتمال حضور مغنى أوبرالى عالمى سيتم الإعلان عنه، بالإضافة الى أن المغنين أغلبهم من مشاهير الأوبرا فى إيطاليا وسوف تقوم فرح الريوانى بدور الإلهة إيزيس. لذلك فإن أوبرا توت عنخ آمون سوف تكون أهم أحداث الاحتفال بمئوية الملك توت عنخ آمون.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوبرا توت عنخ آمون أوبرا توت عنخ آمون



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:41 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 09:52 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

أمطار صيفية تعزل دواوير ضواحي تارودانت

GMT 07:59 2018 الأحد ,15 تموز / يوليو

"بورش" تحتفل بالذكرى الـ70 لسيارتها الأولى

GMT 16:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 08:36 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

النفط ينخفض مع تهديد الصين برسوم جمركية على الخام

GMT 05:34 2018 الإثنين ,11 حزيران / يونيو

تعرف على أبرز علامات ظهور "ليلة القدر"

GMT 23:49 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

الليمون الحل النهائي للقضاء على "قشرة الشعر"

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca