زاهي حواس
ما زلنا نتجول في العديد من المناطق الأثرية السعودية لكي نعرف العديد من الأسرار التي كانت مخبأة تحت رمال الجزيرة العربية وصخورها حتى استطاعت المملكة العربية السعودية ولأول مرة أن تفتح أبوابها للبحث العلمي، وخاصة العمل في فترة كانت مجهولة تماماً بالنسبة للعلماء، ألا وهي فترة ما قبل الإسلام. لذلك تمت دعوة العديد من البعثات من مختلف الدول الأوروبية وأميركا واليابان للعمل عن طريق بعثات سعودية مشتركة، ويتم البحث العلمي عن تلك الاكتشافات من كلا الجانبين. لذلك شاهدنا الكشف عن العديد من المستوطنات التي تعود إلى الفترات التاريخية، كما وجدنا العديد من متاحف السعودية تزخر بالقطع الأثرية الفريدة. ولكن في رأيي أن أهم إنجازات أعمال المسح الأثري والتنقيب تلك التي تتم داخل المواقع التي تعود إلى العصور التاريخية المختلفة، وخاصة العصور الحجرية التي تبدأ بالعصر الحجري القديم الذي يرجع تاريخه إلى أكثر من مائة ألف عام. ومن هنا يبدأ التاريخ العظيم للمملكة العربية السعودية ويكتب هذا التاريخ أبناء المملكة.
تعمل بعثة سعودية فنلندية لمسح طرق القوافل القديمة بين العلا وساحل البحر الأحمر. ومن أهم ما تركته البعثة هي خريطة ثلاثية الأبعاد توضح لنا مسار الطرق الثلاثة القديمة منها ما هو ملون بالألوان المختلفة ليظهر تاريخ مسار ثلاث قوافل قديمة مرت بهذه المواقع. وأعتقد أن هذا الكشف على قدر كبير من الأهمية حيث تحديد الطرق الثلاثة للقوافل ومسارها في العصور القديمة، وهذا يشير إلى العلاقات التجارية السائدة في ذلك الوقت. وقد اتضح للبعثة الأثرية أن الطريقين الأول والثاني عبارة عن مسار مختصر للقوافل القديمة التي تبدأ من العلا وحتى البحر الأحمر على أن مسارهما يمر بتضاريس جبلية وعرة، فالطريق الأول وعر نسبياً ويتطلب صعوداً حاداً ثم نزولاً حاداً أيضاً إلى وادي الخراب. والطريق الثاني أقصر من الأول ويسير بشكل مباشر رغم أنه يتطلب صعوداً صعباً أيضاً ثم يمر بوادي ثاري الذي يتميز سطحه بغطاء رملي على أرضية حجرية تمثل صعوبة للدواب.أما طريق القوافل الثالث فرغم طول مساره عن الطريقين الأولين، إلا أنه يمتاز بسهولة مساره حيث يلتف حول أعلى سلسلة جبلية في المنطقة ويمر بوادي الجزل الذي يتميز بتوافر مصادر المياه، وكذلك العلف النباتي وهو مهم للدواب حيث تنتشر فيه نباتات الرمث والسدر والنخيل.