محور جديد واضطراب متجدد!

الدار البيضاء اليوم  -

محور جديد واضطراب متجدد

حسين شبكشي
حسين شبكشي

تقوم القوى السياسية الكبرى في العالم بعد فترات محددة من الزمن بإعادة هندسة محاورها الاستراتيجية الأساسية. وهناك ملامح من المتغيرات اللافتة والمهمة التي تحدث هذه الفترة ترجح حصول إعادة الهيكلة المحورية المقصودة. فالولايات المتحدة صعّدت بشكل واضح وصريح ومباشر لهجتها الحادة ضد كل من الصين وروسيا، وإن كانت تعتبر الصين الطرف الأخطر الذي يواجهها الآن ويهدد مصالحها السياسية والأمنية والاقتصادية. وهذا يفسر الحراك السريع لوزيري الخارجية و الدفاع الأميركيين وزيارتهما لدول مهمة في آسيا تضمنت اليابان وكوريا الجنوبية والهند، وهي الدول التي تكوّن اليوم حلفاً مع الولايات المتحدة الغرض منه مواجهة الصين وتهديدها المتصاعد في المجالات الجيوسياسية للقارة الآسيوية، وخصوصاً في المناطق المتنازع عليها، وكذلك أيضاً لمواجهة النفوذ الاقتصادي والعسكري المتزايد، الذي يشي بطموح صيني استثنائي يستدعي الحذر منه بحسب الحلف المتكون حديثاً.

أيضاً من المهم أن يتم ربط تصريح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الأخير الذي قال فيه، إن حكومته ستساعد في صوغ نظام عالمي جديد، وتخلف وراءها نظاماً دولياً متقادماً لم يعد يخدم مصالح البلاد. وهي التصريحات التي تلت تصريحاته عن عزم بريطانيا على إعادة إنتاج القنابل النووية لحماية أمنها الوطني بسبب الظروف الجديدة التي استجدت. فهل يرى العالم بداية ولادة «ناتو جديد» أكثر رشاقة وفاعلية وتأثيراً، مكون من دول فيها ملاءة مالية عالية جداً، وقدرات عسكرية متطورة لن يكون أحد منها عالة على الآخرين، وهو الرأي الذي تبنته بريطانيا كأحد أسباب قرار انسحابها من الاتحاد الأوروبي؟

هذا الحراك أثر على مناطق أخرى من العالم، فوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف طالب الدول الصديقة لروسيا ببدء التعامل التجاري معها بدون الاعتماد على الدولار الأميركي، وهو طبعاً مطلب خيالي وعاطفي وغير واقعي، لأن روسيا نفسها تتحصل على مداخيلها من الغاز والنفط بالعوائد الدولارية الأميركية.

أيضاً لا يمكن إغفال عملية إعادة الدوران السياسي الكاملة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان في سياساته في منطقة الشرق الأوسط، وهو المشهد الذي بدأ في ليبيا، ثم تلت ذلك محاولات استلطاف كلامية حتى الآن مع دول الخليج العربي والتراجع الكامل في مواقفه ضد مصر. العزلة التي وصلت إليها تركيا بسبب مواقفها وسياساتها أصبحت باهظة الثمن على الرئيس التركي وأنصاره. فمن برود سياسي يواجَه به الرجل في المحافل الدولية، إلى انتقادات أممية لتدخلات الأتراك في مواقع مختلفة، مروراً بالعزلة السياسية والاقتصادية من أهم مشروع غاز متوسطي، تسبب في تكوين تحالف بين مصر واليونان وإسرائيل وقبرص وفرنسا بدون تركيا... هذه الأمور كلها أدت إلى عزوف الاستثمارات الأجنبية عنها وهبوط تاريخي غير مسبوق في قيمة الليرة التركية، واضطراب هائل في البورصة التركية أيضاً. تركيا الآن تستشعر التغيرات الحاصلة على الصعيد الدولي وتبحث عن طوق نجاة.
هناك أيضاً إيران التي لا تتجاوب مع الجزرة الأميركية الممدودة إليها للعودة إلى الاتفاق النووي، وهي تكتسب هذه الثقة بموقفها من دعم الصين الاقتصادي لها، الذي أعاد تعويم النفط الإيراني للأسواق العالمية بشرائه منها، والدعم التقني الروسي في المعدات العسكرية والتكنولوجيا النووية، فالصين وروسيا تستغلان إيران لمناكفة الولايات المتحدة.

محاور جديدة تتشكل والاهتمام بالمواجهة المتصاعدة بين أميركا والصين تنال الاهتمام، باعتبار أن لها الأولوية. يرفض المحللون السياسيون الأميركيون توصيف ما يحصل الآن بين الصين وأميركا بأنه حرب باردة جديدة شبيهة بما حدث في القرن الميلادي الماضي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، لأن الحالة الأخيرة كان ترسانات من الجنود والترسانات العسكرية العملاقة في مواجهة باردة في مناطق مختلفة حول العالم. محاور جديدة تتشكل والغرض الأهم هو تحييد الصين وتقليص النفوذ الروسي، الأمر الذي ستكون ضحيته ملفات مهمة مثل لبنان وسوريا والعراق والقضية الفلسطينية، وهي ملفات ستوضع كلها على رف الانتظار.

آسيا ستكون بوصلة الاهتمام الجديدة فيما يخص الشأن السياسي والاقتصادي للحقبة المقبلة، وهناك مناطق تماس فيها مرشحة للاشتعال مثل كوريا الشمالية والفلبين وفيتنام وتايوان وهونغ كونغ وإندونيسيا واليابان وحدود الهند مع الصين.

الشهية الصينية في فرد عضلاتها الاقتصادية لمساعدتها على إعادة أحلام الإمبراطورية الصينية القديمة ولدت الخوف والقلق لدى المعسكر الغربي، وهذه المواجهة ستوتر العالم بالتدريج.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محور جديد واضطراب متجدد محور جديد واضطراب متجدد



GMT 09:12 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الخضرة والماء والوجه الحسن

GMT 09:08 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

اللبنانيّون وقد طُردوا إلى... الطبيعة!

GMT 09:04 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الضوء الأخضر للإرهاب

GMT 08:57 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

تايوان... «أوكرانيا الصين»!

GMT 08:52 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

أصوات العرب: جوّال الأرض

GMT 18:10 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 17:54 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 08:43 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

عدد جديد من المجلة الكويتية الفكرية المحكمة «عالم الفكر»

GMT 06:30 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

نهاية بادي تغوص داخل أعماق النفس البشرية في "حمامة سلا"

GMT 04:52 2013 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الحجاب يزيد من جمال المرأة

GMT 19:32 2015 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

مكب قديم للنفايات يكشف عن خاتم الملك اليهودي حزقيا

GMT 09:53 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

"الكهرباء المصرية" 12 ألفًا و500 ميغاوات زيادة متاحة عن الحمل

GMT 20:11 2019 الإثنين ,21 كانون الثاني / يناير

"طائرة بدون طيار" تُحدِث هلعًا في أشهر فنادق المغرب

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

"زيت الجرجير" يمتلك فوائد مُدهشة لجميع أنواع الشعر

GMT 06:18 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

استمتع بالمناظر الطبيعية الرائعة في دول البلطيق
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca