هرمجدون... واللعب على نغمة نهاية الزمان!

الدار البيضاء اليوم  -

هرمجدون واللعب على نغمة نهاية الزمان

حسين شبكشي
بقلم - حسين شبكشي

أثار تعليق الرئيس الأميركي جو بايدن، بخصوص تهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام السلاح النووي في حربه على أوكرانيا، والذي قال فيه إن استخدام بوتين للسلاح النووي سيأتي بهرمجدون على الجميع... أثار هذا التعليق كمية هائلة من ردود الفعل المتباينة التي كانت في معظمها تصب في الاعتراض على استخدام مصطلح ديني إنجيلي من العهد الجديد وتحديداً من سفر النبوءات للمعركة الحاسمة النهائية بين أهل الخير ضد فريق الشر، وتسمى هذه المعركة هرمجدون.
والتركيز على فكرة توظيف المصطلح الديني في الخطاب السياسي ليست بالشيء الجديد، وخصوصاً أن كل الأديان والطوائف والمذاهب لها في إرثها وتراثها وثقافتها وسردياتها ما يكفي من ملامح وإشارات تسمى علامات الساعة أو نهايات الزمان، وهذه العلامات فيها تمهيد لوصول شخصية كبرى هي أشبه بالمنقذ والمخلص العظيم الذي سيقود معركة الخلاص من أهل الشر والانتصار عليهم.
ولا يستثنى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من مسألة استغلال الخطاب الديني المسيحي التقليدي في شحن الجماهير، فهو اعتبر الغرب «أعداء الدين الحقيقي وأنهم يدعون لتحطيم الأسرة ويحاربون القيم والأخلاق بدعمهم للشذوذ الجنسي والترويج لآفة المخدرات»، ووصف معركته ضد الغرب بأنها «ضد الشر والشيطان وأعوانه» وأيده في ذلك بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا، وهي إحدى أقدم الكنائس في الفلك المسيحي ما أضاف لكلمات الرئيس الروسي ختم القبول الكهنوتي الروسي، وهي خطوة تضاف لمشاهد الصلوات والدعاء التي يجريها بعض قساوسة ورهبان الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا على القاذفات النفاثة والصواريخ الروسية قبل مهامها القتالية.
بعيداً عن الشاشات الإخبارية والمواقع الإلكترونية التي تتابع الأحداث، هناك عالم آخر موازٍ ولكنه مختلف تماماً يتابع الأخبار وتطوراتها ولكن من منظور ديني بحت كل فرد بحسب عقيدته ومنهجه مستنداً إلى أدلته من تراثه وثقافته الخاصة به. وهذا العالم الغيبي الغنوصي مليء بالسرديات التي هي أقرب للأساطير والخرافات ولكن لديها جمهورها الذي يصدق ويعتقد فيها أكثر من اعتقاده بما يسمع ويرى بأم عينيه على الشاشات الإخبارية.
توظيف الخطاب الديني أو استخدام الرموز والشعارات ذات الطبيعة والدلالة الدينية في الشأن السياسي، ليس بالمسألة الجديدة بطبيعة الحال، فالتاريخ يخبرنا بالعديد من الأمثلة المختلفة سواء من هلال الدولة العثمانية أو صليب الحملات الصليبية للفرنجة من فرنسا وإنجلترا أو نجمة داود في إسرائيل والحركة الصهيونية.
استخدام لفظ هرمجدون له مغزى محدد في الذهنية الإنجيلية تحديداً والمسيحية بصورة عامة غايتها الشحن المعنوي للجماهير وتحضيرهم لدعم ساستهم في معركة نهاية الزمان، التي هي بين فريق الخير في مواجهة أهل الشر، وكان لافتاً تصحيح فريق البيت الأبيض لتصريح الرئيس الأميركي جو بايدن وتعديلهم لمغزى العبارة المستخدمة، وهذا يذكرنا بالتصريح الشهير للرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن خلال بداية غزوه للعراق عندما قال «إنها حملة صليبية» وسرعان ما تراجع عنه بعدها.
عندما يعجز الخطاب السياسي والقرارات المصاحبة له عن تحقيق التأثير المتوقع أو إنجاز الفاعلية المنشودة يلجأ صاحب القرار إلى تأجيج المشاعر الدينية ودغدغة العقل الباطن لأصحابها ما يضيف للمشهد السياسي البحت بعداً آخر مختلفاً تماماً.
قلق العالم فيما يتعلق بإمكانية استخدام السلاح النووي من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محق وفي مكانه، وذلك لأبعاده الكارثية وتداعياته المدمرة البديهية، ولكن توظيف الخطاب الديني في وسط هذه المعمعة يعتبر توظيفاً غير موفق، أو كما وصف أحد المعلقين السياسيين بسخرية شديدة كلمة بايدن عندما قال له: «أنت فين والحب فين».
نهايات الزمن وعلاماته مسألة غيبية بحتة والناس على مر العقود من مسيرة البشر على الأرض وهم يؤكدون «أن ما يحصل الآن هو من علامات نهايات الزمن»، ولم يفت ذلك على دهاة السياسة في توظيف ذلك الأمر لصالحهم بنتائج متباينة.
«العالم مثل هذا المصباح، استهلك الزيت المخصص له، ولم يبق إلا النقطة الأخيرة، انظر، الشعلة ترتعش، سينطفئ العالم قريباً». من هذه النبوءة المنسوبة إلى الكاتب اللبناني الفرنكوفوني أمين معلوف، في «إخوتنا الغرباء»، روايته الحادية عشرة، يتخيل الكاتب سيناريو لنهاية العالم وانهيار الحضارة، بفعل حرب نووية، غير أن تدخلاً خارجياً، في اللحظة الأخيرة، يحول دون تحقق هذا السيناريو.
المأزق الحضاري الذي تعيشه البشرية، في هذه اللحظة التاريخية، متمظهراً في: سباق التسلح النووي، تحكم الفضاء السيبراني، عجز العلم عن معالجة الأمراض القاتلة، والارتباك العالمي في مواجهة الفيروسات المفاجئة، هو تصور كئيب لنهاية العالم كما نعرفه بدون خطاب ديني مصاحب له.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هرمجدون واللعب على نغمة نهاية الزمان هرمجدون واللعب على نغمة نهاية الزمان



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:59 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 02:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

قطار ينهي حياة شيخ ثمانيني في سيدي العايدي

GMT 10:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

"خلطات فيتامين سي" لشعر جذاب بلا مشاكل

GMT 13:54 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

نصائح مهمة لتجنب الأخطاء عند غسل الشعر

GMT 13:08 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام فعاليات "ملتقى الشبحة الشبابي الأول " في أملج

GMT 16:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

كمبوديا تستخدم الجرذان في البحث عن الألغام

GMT 04:44 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميم مجمع مباني "سيوون سانغا" في عاصمة كوريا الجنوبية

GMT 06:28 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

خبير إتيكيت يقدم نصائحه لرحله ممتعة إلى عالم ديزني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca