محنة جبران باسيل أو النرجسية من دون أساسها!

الدار البيضاء اليوم  -

محنة جبران باسيل أو النرجسية من دون أساسها

حازم صاغية
حازم صاغية

لم يصل أي طرف سياسي في لبنان إلى درجة الذوبان في السياسة الأميركيّة التي بلغها العونيّون. الذوبان هذا جلب على ميشال عون اتّهامات من دمشق ومن «حزب الله» بـ«العمالة»، لا لواشنطن فحسب، بل لتلّ أبيب أيضاً. منفاه الفرنسي يومذاك فُرض عليه الحَرْم وبات يُعدّ واحداً من أوكار الشيطان.

ما بين عون والإدارة الأميركيّة، بعد الجفاء الذي أعقب هزيمته ونفيه، بات يشبه الحبّ الصوفي غير المسبوق: السياسيون اللبنانيّون الآخرون من ذوي الهوى الغربي لم يصلوا إلى هذا الحدّ الأميركي المطلق: كميل شمعون كان يمرّ بلندن إلى واشنطن، ورفيق الحريري كان يمرّ بباريس إليها، والاثنان كانت لديهما علاقات ومصالح عربيّة يحرصان عليها، في بغداد وعمّان والرياض والقاهرة ودمشق. بشير الجميّل، في المقابل، سلك طريقاً آخر: كان يوصف بـ«الإسرائيليّة»، وفقط في أيّام حياته الأخيرة صار يوصف بـ«الأميركيّة». أمّا عون والعونيّة فذوبانهما في واشنطن استمرّ أكثر من عقد، ما بين أوائل التسعينات وعام 2005. لقد كان خطّاً بلا تقطّع ولا ارتجاج.

منذ 2005 بدأت تختلف الأمور مع تحالف العونيين و«حزب الله» في مار مخايل، واستطراداً تحالفهم مع نظامي دمشق وطهران. الاختلاف تأدّى عنه، قبل أيّام، فرض الإدارة الأميركيّة عقوبات على جبران باسيل، رئيس التيّار العونيّ. إنّها عقوبات لم يُفرض مثلها على أي زعيم سياسي آخر في لبنان. نبيه برّي وسليمان فرنجيّة عوقب معاوناهما، لا هُما.

معلّقون وكتّاب سارعوا إلى التفسير، وكانوا مُحقّين على الأرجح: لقد سُدّت طريق باسيل إلى رئاسة الجمهوريّة. الأمر بدا بمثابة انتحار، خصوصاً أنّ التراجع عنه، في ظلّ إدارة جو بايدن الجديدة، ليس محسوماً، وحتّى لو كان كذلك فلن يكون سهلاً وبلا عُقد.

ما حصل أنّ الولايات المتّحدة، في ظلّ دونالد ترمب، ذهبت أبعد كثيراً من المألوف الأميركي في التصدّي للنفوذ الإيرانيّ، فيما ذهب باسيل وتيّاره أبعد كثيراً من المألوف المسيحي اللبناني في الوجهة المعاكسة، أي في التحالف مع هذا النفوذ نفسه. المسافة باتت أبعد، والغضب على خيانة العاشق أكبر منه على أي خلاف يأتي من طرف آخر.

أكثر من هذا: العونيّة لم تكتف بالاختلاف، بل أسّست لتقاليد سياسيّة جذريّة في بيئة المسيحيين اللبنانيين مناهِضة للغرب ولأميركا خصوصاً. في هذا كان تشاطُرها يقتلها: افتراض تحسين موقعها حيال المعشوق بافتعال غرام موازٍ بمعشوق آخر. هذا السلوك انطوى على شيء من الفهلَوَة القرويّة اللبنانيّة التي تبالغ في تقدير أهميّتها وفي تقدير موقعها التفاوضيّ، لكنّه نمّ أيضاً عن جهل فادح بالعالم. إنّه رهان على تميّز مطلق لا يُفقده تطرّفُه البالغ قدرتَه التفاوضيّة، وهو تميّزٌ ناجم عن وهم التمايز النرجسي الذي لا يسعفه الواقع بالبراهين. على الجهة المقابلة، معركة واشنطن وطهران حول الملفّ النووي باتت لا تحتمل الموقع المائع، دع جانباً الموقع المنحاز. دونالد ترمب، بدوره، واجه نرجسيّة الريفيّة اللبنانيّة بنرجسيّة الريفيّة العالميّة. اللحاق بترمب، وهو النرجس شخصيّاً، صعب دائماً.

زاد في سخافة السلوك العوني – الباسيلي افتقاره إلى أي مبدئيّة وأي تبرير يقنعان الأطفال: كان واضحاً في كلّ لحظة أنّ الهوى العميق أميركيّ. كان واضحاً في كلّ لحظة أنّ «حزب الله» والمقاومة وطهران لا يثيرون أي عاطفة فعليّة عند العونيين. المتعاونون مع إسرائيل كان جلّهم من بيئة هذا التيّار. الحرص المزعوم على وحدة اللبنانيين رافقه الاستياء من إقامة مواطنين شيعة في مناطق ذات أكثريّة مسيحيّة وتوجّه عونيّ... السفيرة الأميركيّة في بيروت دوروثي شيا كشفت عن أنّ باسيل «أعرب عن الاستعداد للانفصال عن (حزب الله) بشروط معيّنة». ما من سبب لعدم التصديق.

في المقابل، لم تفلح سنوات العهد العوني في تثقيل الموقع التفاوضي حيال المعشوق الأصليّ، أي الولايات المتّحدة. «الحكم القويّ» أسفر عن أضعف حكم في التاريخ القصير لهذا البلد. «فضيلة» تصعيد العنصريّة ضدّ اللاجئين السوريين درّت من الشعبيّة أقلّ كثيراً مما استنزفته سنوات العهد التعيس. شتائم الشارع لباسيل فاقت الشتائم التي طالت سائر السياسيين المشتومين. وأخيراً، جاء انفجار مرفأ بيروت ليكرّس وضعيّته كقيّم على أعمال نظام مجرم بحقّ اللبنانيين، خصوصاً منهم المسيحيين المقيمين في محيط المرفأ.

التشاطُر بات قاتلاً لصاحبه. لعبُ دور الضحيّة لا ينفع هنا كثيراً، كما لا ينفع التشبّه بأوروبا أو بالبيئة أو بالمحيط الأطلسي أو بالصين أو بإيران. هؤلاء المتضرّرون من دونالد ترمب والمراهنون على جو بايدن إمّا يملكون ما يقايضون به وإمّا يملكون ما يُدافَع عنه. جبران باسيل بالمقارنة، وزنه ضعيف جداً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محنة جبران باسيل أو النرجسية من دون أساسها محنة جبران باسيل أو النرجسية من دون أساسها



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:59 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 02:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

قطار ينهي حياة شيخ ثمانيني في سيدي العايدي

GMT 10:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

"خلطات فيتامين سي" لشعر جذاب بلا مشاكل

GMT 13:54 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

نصائح مهمة لتجنب الأخطاء عند غسل الشعر

GMT 13:08 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام فعاليات "ملتقى الشبحة الشبابي الأول " في أملج

GMT 16:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

كمبوديا تستخدم الجرذان في البحث عن الألغام

GMT 04:44 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميم مجمع مباني "سيوون سانغا" في عاصمة كوريا الجنوبية

GMT 06:28 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

خبير إتيكيت يقدم نصائحه لرحله ممتعة إلى عالم ديزني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca