من جمال عبد الناصر إلى حسّان دياب

الدار البيضاء اليوم  -

من جمال عبد الناصر إلى حسّان دياب

حازم صاغية
بقلم : حازم صاغية

ليس عادياً ما حصل قبل أيّام قليلة في لبنان. لقد ولد نجم للتحرّر الوطني اسمه حسّان دياب. من الآن فصاعداً لن يطأطئ حاكم لبناني رأسه لـ«الخواجه» الأجنبيّ. عهد الذلّ ولّى. عهد الكرامة بدأ. عبارة جمال عبد الناصر الأثيرة «ارفع رأسك يا أخي» تُنير لنا الطريق.
ربّما هنا بالضبط، لا في أي سبب آخر، نفهم السرّ العميق لاستقالة وزير الخارجيّة ناصيف حتّي: لا حاجة إلى الدبلوماسية بعد الآن في العلاقة بالعالم الخارجيّ. الكرامة الوطنيّة هي ما يرسم تلك العلاقة. السوابق كثيرة في هذا المضمار: نيكيتا خروتشيف لوّح بالحذاء في الأمم المتّحدة. معمّر القذّافي حاول أن ينصب خيمة هناك، في الهواء النيويوركي الطلق... هؤلاء كانوا طليعيين في شرقيّتهم التي نقلّدها الآن فيما نحزم أمتعتنا كي نتوجّه شرقاً.
بالفعل لم يكن أمر كهذا مألوفاً، ولا حتّى مُتَخَيّلاً: أن يتصدّى مسؤول لبناني من الدرجة الأولى لمسؤول غربي حتّى لو كان من الدرجة الخامسة. ما فعله رئيس الحكومة نقلة نوعيّة في بلد لطالما وُصف حكّامه بالتبعيّة والخضوع للغربيين.
الضربة جاءت من حيث لم يتوقّعها أحد. فقد وجّه حسّان دياب «انتقادات عنيفة» لوزير خارجيّة فرنسا جان إيف لودريان إبّان زيارته بيروت. قال له إنّه يملك «معلومات مغلوطة» عن وضع لبنان، واصفاً زيارته بأنّها «لا تحمل جديداً». مصادر أخرى أضافت أنّه أسمعَه التالي: «أنا رئيس حكومة لبنان، ولا أسمح لك بإعطائي التعليمات فيما يجب القيام به. أنا لست سعد الحريري لأنفّذ تعليماتك».
إذن، لم يتصرّف رئيس الحكومة اللبنانيّة بموجب عقدة المستعمَر حيال المستعمِر. أو الأسود حيال الأبيض. لقد زال الانتداب الفرنسي قبل ثلاثة أرباع القرن. الشعوب تحرّرت وتتحرّر، والتحرّر فعل علاجيّ.
واقع الحال أنّ انتساب دياب، كمقاوم بالكلمة والموقف، إلى نادي التحرّر الوطني شرعي جدّاً. لكنّ هذا النادي تغيّر كثيراً عمّا كانه إبّان نشأته بعد الحرب العالميّة الثانية. في البداية كان قادته أصحاب مشاريع كبرى، بغضّ النظر عن الرأي بمشاريعهم. كان في عدادهم جواهر لال نهرو وجمال عبد الناصر وكوامي نيكروما. في السبعينات، بات رموز النادي من طينة صدّام حسين وحافظ الأسد ومعمّر القذّافي ممن يقتصر مشروع واحدهم على الاحتفاظ بالسلطة. هذا ما شكّل الانحطاط الأوّل للتحرّر الوطنيّ. لكنْ منذ التسعينات، وبعد زوال المعسكر السوفياتيّ، بدأ الرموز يفقدون بريقهم وراحت الكهولة تدركهم. بعد حين شرعوا يورّثون أبناءهم بحيث امّحت آخر معالم رمزيّتهم. صار التحرّر الوطني – الذي تغيّرت تسميته لتكتسب دلالات دينيّة أو جهويّة أو إثنيّة – مهنة أحزاب وتنظيمات أهمّها، في منطقتنا، «حزب الله» اللبناني و«حماس» الفلسطينيّة. هكذا حلّ علينا الانحطاط الثاني بجسد ثقيل.
في هذه المحطّة ولد النجم. لهذا لم يخطئ الذين وصفوه بـ«رئيس حكومة حزب الله». وفي حضانة الحزب إيّاه سبق أن تمّت بنجاح تجربة تحويل رئيس الجمهوريّة الحالي ميشال عون إلى مقاوم. هكذا، وفي طريقه، أحدث عون تحوّلاً ضخماً في سياسات المسيحيين وفي حساسياتهم. أكثريّتهم صارت تؤيّد التحرّر الوطني وما يستدعيه من تحالف مع سوريّا الأسد وإيران خامنئي. الآن، مع حسّان دياب، نعيش التحوّل الكبير الثاني؛ إذ نشاهده ينقل موقع رئاسة الحكومة من ضفّة الدولة إلى ضفّة الثورة. هكذا اكتمل نهج التحرّر الوطنيّ، ومعه حصل الانعطاف الكبير في التاريخ السياسي وفي التقاليد السياسيّة للبنان.
أمّا الحكم برأسيه فصار أشبه بحكم جبهوي يحيط بـ«حزب الله»، وظيفته إنجاز مهامّ التحرّر الوطني (تماماً كالقوى التي تحيط بحزب البعث في الجبهات الوطنيّة السورية والعراقيّة في عهد صدّام).
وبالمناسبة، مبروك للذين أحبّوا التحرّر الوطني وحلموا ببيروت بوصفها هانوي العرب، والذين هتفوا عالياً، ولسنوات طويلة، «نموت واقفين ولا نركع». إنّهم يجدون اليوم في حسّان دياب من يحقّق أحلامهم. لقد آمنت أجيال بعد أجيال من الشبّان بما يقدّمه لها اليوم على طبق من فضّة. فـ«هيهات منّا الذلّة» بات فلسفة الجمهوريّة وقد اقتبستها في ذكراها المائة عن «حزب الله».
أغلب الظنّ أنّ التاريخ سيذكر هذا الحكم برأسيه بوصفه مُزيل الغشاوة عن أعيننا. قبله، توهّمْنا أنّ العلاقة بالعالم خير من الانعزال عنه. أنّ البحبوحة خير من الفقر. أنّ الشبع أفضل من الجوع. أنّ الحياة أحسن من الموت. هذا الحكم يعلّمنا الفضائل التي فاتتنا، نحن الذين صدّقنا تلك البداهات السمجة كما علّمنا إيّاها الاستعمار والمستشرقون.
وحسّان دياب يتحوّل، يوماً بيوم، إلى أبرز الناشطين في نشر الوعي الجديد. في استحضار الفجر الجديد. إلى الكرامة در. إلى الشرق در. هذا هو أمر اليوم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من جمال عبد الناصر إلى حسّان دياب من جمال عبد الناصر إلى حسّان دياب



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 14:23 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

عبدالرحيم الوزاني يطالب لقجع بجلب مقر "الكاف" إلى المغرب

GMT 19:03 2019 الجمعة ,22 آذار/ مارس

فيلم «نائب».. عبقرية الكوميديا السوداء

GMT 21:54 2016 السبت ,26 آذار/ مارس

أفضل زيوت تدليك الجسم و المساج

GMT 09:41 2017 الأربعاء ,18 كانون الثاني / يناير

عماد متعب ويارا نعوم يكشفان أسرار حياتهما في "كل يوم"

GMT 21:47 2017 الجمعة ,07 إبريل / نيسان

إدارة السجون تكشف وضع على عراس في "تيفلت 2"

GMT 09:56 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أهم وأبرز إهتمامات الصحف الجزائرية الصادرة الأربعاء

GMT 14:26 2017 الإثنين ,12 حزيران / يونيو

التدليك الحل السحري للتخلص من المشكلات الصحية

GMT 02:23 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

كولم كيليهر يؤكد أنّ المملكة السعودية سوق جاذبة للاستثمار

GMT 08:30 2016 الثلاثاء ,27 أيلول / سبتمبر

حملة أمنية على محلات درب عمر بسبب الدمى الجنسية

GMT 00:14 2015 السبت ,28 شباط / فبراير

استخدمي طرقًا بسيطة للحصول على فضيات مميزة

GMT 15:48 2016 السبت ,02 إبريل / نيسان

الزواج المبكر فى مصر يتراوح بين 13-15%
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca