فلسطينية في «ناسا» الأميركية

الدار البيضاء اليوم  -

فلسطينية في «ناسا» الأميركية

بكر عويضة
بكر عويضة

سها القيشاوي ليست أول عربية تقتحم مجال علوم الفضاء، ثم تنجح في التحليق عالياً حتى تحقق أعلى مستويات النجاح، كما أنها ليست العربية الأولى التي تُفتح أمام قدراتها العلمية أبواب «ناسا»، وكالة الفضاء الأميركية. كذلك يجب القول إن سها القيشاوي، لم تكن أول من أدخل اسم فلسطين إلى سجلات أسماء العاملين غير الأميركيين في معامل ومختبرات أهم قلاع عالم البشر المتخصصة في اكتشاف عوالم ما يدور حول الأرض، قريباً منها، أو بعيداً عنها، من كواكب الكون. كلا، فقد سبقتها شابات ينتمين لأكثر من دولة عربية إلى العمل مع غير فرع من فروع «ناسا» العلمية، كما سبقها، من أهل وطنها، متخصصون بينهم البروفسور سليمان بركة، والعالِم عصام النمر، والمهندس لطفي مزيد عياد. كل ما سبق مهم وواجب التوثيق، إنما، مع ذلك، يبقى التحاق سها القيشاوي بعالم «ناسا» ذا مذاق مختلف، فلسطينياً، من جهة، وإنسانياً، كذلك.

هل ثمة أسباب تجيز ذلك التميّز؟ نعم، يكفي، على الصعيد الفلسطيني، أن سها القيشاوي من قطاع غزة. بالتأكيد، أتوقع أن يصدع صوت ما بالقول إن هذا انحياز فاقع من جانبي. ليكن. لكل امرئ حق قول ما يرى أنه هو الرأي الحق. لكنني لستُ في موقع المضطر لأن أبرر ابتهاجي غير العادي، بأن تدق شابة من غزة أبواب حصن علمي مثل وكالة «ناسا» الأميركية، ثم أن تُفتح تلك الأبواب أمامها، ولا توضع أمام موهبتها العلمية أي عوائق تحول بينها وبين تسلم موقع كبيرة مهندسي البرمجيات في مشروع بناء المركبة الفضائية «أورايون»، وما أدراك أي سفينة فضاء تلك، إنها التي تحمل رواد الفضاء إلى كوكب المريخ. تُرى أكثير أن يخفق قلب كل مَن يفرح، ومن تُسر، لمثل هذا النجاح، بكلمة رائع؟ كلا، بل أكثر من رائع بكثير، أن تشرق شابة بإنجاز كهذا من خضم لهيب معاناة قطاع يرزح تحت أبشع أشكال الحصار، منذ ما يفوق العشر سنوات، فإذا بها كما طائر فينيق يقوم من أكوام رماد، يخفق بالجناح الأيمن ثم الأيسر، ويغرّد للعالم؛ مؤكداً أن الفلسطيني يستطيع التحليق بجناحي العلم والمعرفة حيثما شاء وأتيح أمامه وأمامها المجال.
حسناً؛ ماذا عن موجب تَميّز سها القيشاوي على الصعيد الإنساني؟ الجواب، بشديد البساطة، كونها امرأة. ألم يحتفل العالم أول من أمس (الاثنين) باليوم العالمي للمرأة؟ بلى. لِمَ، إذنْ، يُستغرب أن يُحتَفى بكون شابة من غزة يمكنها تحقيق ما حققت، على صعيد عالمي، في وقت تواجه فيه المرأة عموماً، وفي قطاع غزة تحديداً، المزيد من إجراءات تعقيد المجالات أمامها، وآخر الأمثلة على ذلك، بشأن نساء غزة على وجه التحديد، هو سنّ قيود جديدة تنسجم مع مناهج التشدد، وتضع عراقيل قانونية أمام سفرهن خارج القطاع؟ ليس غريباً هكذا احتفاء، بل هو مطلوب، وهو في الواقع الذي لفت انتباهي الأسبوع الماضي إلى قصة نجاح سها القيشاوي، إذ لاحظت احتفال عدد من صديقاتها عبر صفحاتهن على موقع «فيسبوك» بما حقتته من نجاحات خلال عملها في «ناسا»، وهذه، في الواقع العملي، واحدة من إيجابيات منصة التواصل الاجتماعي، إذ لولا أن بوسعي الاطلاع على تدوينات إحدى صديقاتها، لما أدركت، ربما إطلاقاً، ما استطاعت سها القيشاوي إنجازه. هل هذا يبرر جهلي التام بقصتها؟ كلا، بالتأكيد. لكنني، أيضاً، لم أعثر على كثير اهتمام بقصتها عندما بحثت عما كُتِب عنها من خلال محرك البحث «غوغل»، الأمر المؤسف، حقاً.
بلا جدال، ليس ممكناً أن يمر اليوم العالمي للمرأة، بلا تذكّر حقيقة أن عطاء المرأة في فلسطين لأجل وطنها يفوق كثيراً كل ما يمكن إحصاؤه، بأي مجلدات توثيق، سواء داخل فلسطين أو خارجها. حقاً، طوال سنين المعاناة، منذ ما قبل النكبة الأولى، وما تلاها من نكبات، وإلى هذا اليوم وما بعده، سوف يظل صادعاً بالحق دور المرأة الفلسطينية، الأم والزوجة، البنت والشقيقة، العمة والخالة، ابنة العمة والعم، وابنة الخالة والخال، سوف يبقى حضور أدوارهن ساطعاً، في إذكاء صمود الآباء إلى جانب الأبناء، أسرى وراء القضبان، أو شهداء صعدت أرواحهم إلى السماء كي تحيا في فضاء الخلود. شكراً لكنَّ جميعاً نساء فلسطين، في كل زمان، وأياً هو المكان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فلسطينية في «ناسا» الأميركية فلسطينية في «ناسا» الأميركية



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:41 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 09:52 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

أمطار صيفية تعزل دواوير ضواحي تارودانت

GMT 07:59 2018 الأحد ,15 تموز / يوليو

"بورش" تحتفل بالذكرى الـ70 لسيارتها الأولى

GMT 16:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 08:36 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

النفط ينخفض مع تهديد الصين برسوم جمركية على الخام

GMT 05:34 2018 الإثنين ,11 حزيران / يونيو

تعرف على أبرز علامات ظهور "ليلة القدر"

GMT 23:49 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

الليمون الحل النهائي للقضاء على "قشرة الشعر"

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca