بوح مؤثر... سير فرح

الدار البيضاء اليوم  -

بوح مؤثر سير فرح

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

انشغال الرأي العام البريطاني بمتابعة أجواء معركة انتخاب بديل بوريس جونسون في زعامة حزب «المحافظين»، ورئاسة الوزراء، لم يَحُلْ دون إصغاء كثيرين منهم، الأربعاء الماضي، لما أقدم عليه العدّاء الصومالي الأصل، المعروف عالمياً باسم «مو فرح»، عبر فيلم وثائقي عرضته «بي بي سي»، أزاح خلاله الستار عن بضعة أسرار بشأن حقيقة هويته، من اسمه الحقيقي عندما وُلد، وكيف تقطعت السُّبل بينه وبين والديه بسبب أهوال الحرب الأهلية في الصومال، وصولاً إلى كشف النقاب عن دخوله بريطانيا طفلاً عبر شبكات تهريب أطفال إلى هذا البلد. استمع الكثيرون، وشاهدوا، الفائز بأربع بطولات أولمبية في مسابقات ركض المسافات الطويلة، يروي ما كان يكتم في صدره طوال سنين، فتأثروا بما عُرض أمامهم من البوح الشجاع، ولم يترددوا في إبداء إعجابهم، والإعراب عن تضامنهم مع نجم كان يجازف، في واقع الأمر، باحتمال التعرض لإجراءات عقاب له يجوز الافتراض أنها كانت ستشمل إلغاء جنسيته البريطانية، وتجريده من لقب «سير»، الممنوح من الملكة إليزابيث الثانية، تكريماً لإنجازاته في الفضاء الرياضي.
بيد أن أياً من ذلك لم يحصل، لأن وزارة الداخلية البريطانية رأت أن مسؤولية تغيير اسم الطفل حسين عبدي إلى محمد فرح، تقع على عاتق امرأة اختطفته ثم هربته إلى بريطانيا، وبالتالي فهو غير مسؤول عن تقديم معلومات مزوّرة للحصول على إذن الإقامة، ثم ما يترتب عليه من حق مشروع في الجنسية، التي شجعه على طلبها، وأعانه على إجراءات التقدم للحصول عليها، مدرس التربية الرياضية ألَن واتكنسون، الذي كان أول من أسرّ إليه محمد فرح بما حصل له أوائل سنوات صباه. أما الفضل الأساس في تشجيع محمد على التحدث للناس علناً بما يكتم من أحداث عاشها طفلاً، فيُرجعه سير فرح إلى تانيا، زوجته وأم أطفاله. في هذا السياق تقول تانيا، ما مضمونه التالي: «لقد خبرت سلسلة من الأحاسيس بعدما استمعت إلى حقيقة خلفيات قصته، وكان أول إحساس تملكني هو الحزن إزاء ما حصل له، رحتُ أتخيل صبياً في التاسعة من عمره يمر بكل ما مرّ به، وبالتالي أحسست بالغضب تجاه العاملين في شبكات تهريب البشر. الآن، بعد الحديث التلفزيوني، صار بإمكانه أن يحس أنه ليس لديه ما يخجل منه، وأن بإمكانه أن يشعر بالألم وأن يتحدث للآخرين عنه. إن هذا البرنامج الوثائقي هو بمثابة نوع من العلاج النفساني».
ذلك صحيح تماماً. لقد أصابت تانيا فرح فيما ذهبت إليه، ذلك أن البوح، أياً كان مجاله، يتطلب في حد ذاته شجاعة ممن يقدم، أو تقدم عليه. بالطبع، سوف يُطرح في كثير من الحالات سؤال جوهره هو التالي: ما القصد من أي بوح قد يزيح الستار عن كثير من الأسرار الصادمة، وقد يولّد الكثير من أسئلة مسكوت عنها، وربما تثير الإجابات المتضاربة بشأنها من الضرر أبعد بكثير مما قد تأتي بما يفيد؟ السؤال مهم جداً، ولكن إجابته ليست سهلة أيضاً. فمن جهة، يفرض الموروث، خصوصاً في مجتمعات ما يُعرف بالعالم الثالث، على الفرد أن يقدم صالح المجموع على كل شأن يعني ذاته، حتى لو تطلب الأمر أن يضع جانباً ما يريح نفسه، ويعين على التصالح مع ماضيه المؤلم. في جهة مقابلة، من الجائز الافتراض أن بوح فرد بما يكتم من أحداث زمن مضى، قد يحمل في طياته من الدروس ما يفيد غيره من الناس ويعينهم على تجاوز مطبات الوقوع فيما يماثلها من أخطاء، أو خطايا. هناك كتّاب كبار عانوا كثيراً مع جمهورهم، وحتى ضمن علاقاتهم داخل عائلاتهم، لأنهم جازفوا بالاقتراب من الممنوع في بوحهم.
كما ترون، المشكل ليس سهلاً. وربما لأنه على هذا النحو من التعقيد جرى نحت مقولة شاعت في مجتمعات الغرب تقول التالي:
«EVERYONE HAS A SKELETON IN THE CLOSET»
بمعنى أن الماضي قد يأخذ وضع هيكل عظمي يختبئ في الذاكرة كما تُخبأ الملابس القديمة في الخزانة. صحيح. مع ذلك، يبقى من المهم القول إن البوح الذي أقدم عليه سير فرح مؤثر جداً في جوانب عدة، منها الذاتي، ومنها المجتمعي، ومنها الإنساني، ولذا ليس غريباً أن يتلقى فيضاً من الرسائل المشجعة التي انهالت عليه من مختلف أنحاء العالم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بوح مؤثر سير فرح بوح مؤثر سير فرح



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:59 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 02:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

قطار ينهي حياة شيخ ثمانيني في سيدي العايدي

GMT 10:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

"خلطات فيتامين سي" لشعر جذاب بلا مشاكل

GMT 13:54 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

نصائح مهمة لتجنب الأخطاء عند غسل الشعر

GMT 13:08 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام فعاليات "ملتقى الشبحة الشبابي الأول " في أملج

GMT 16:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

كمبوديا تستخدم الجرذان في البحث عن الألغام

GMT 04:44 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميم مجمع مباني "سيوون سانغا" في عاصمة كوريا الجنوبية

GMT 06:28 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

خبير إتيكيت يقدم نصائحه لرحله ممتعة إلى عالم ديزني

GMT 12:22 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 7 على الأقل في قصف جوي ومدفعي على حي الفردوس في حلب

GMT 04:48 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمير الوليد بن طلال يؤكد بيع أسهمه في "فوكس 21"

GMT 22:13 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

منتخب غانا يهزم نظيره المصري في بطولة الهوكي للسيدات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca