القدوة والانتخابات... وقُدوَة الاختلافات

الدار البيضاء اليوم  -

القدوة والانتخابات وقُدوَة الاختلافات

بكر عويضة
بكر عويضة

المؤمل أن ممثلي التنظيمات الفلسطينية أمكنهم خلال اجتماعات عقدوها في القاهرة أمس، التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى حل أي تعقيدات تحول دون المضي على طريق إتمام انتخابات المجلس التشريعي. ضمن هذا السياق، قرأت كلام مسؤول في حركة «فتح» قال إن واجب الفلسطينيين هو «إنهاء الانقسام، وتجديد شرعية النظام الفلسطيني». في الإطار ذاته؛ طالعت قول قيادي من حركة «حماس» جمع بين تذليل مصاعب إجراء الانتخابات، وبين «التوافق على استراتيجية وطنية فلسطينية للمواجهة الشاملة مع الاحتلال الصهيوني». هل يمكنني إحصاء عدد المرات التي طالعت فيها مثل هذا الكلام الفلسطيني الفخم الإنشاء، الملتهب الحماسة؟ كلا، لكن سجلات فصائل الفلسطينيين، وقيادات تنظيماتهم، وزعامات أحزابهم، بمختلف أطيافها، تعج، بل وتضج، بما وُثِق من لقاءات أمكن التوصل خلالها إلى أكثر من اتفاق بعد اجتماعات ليالٍ طالت، ثم إذا بحبر تلك الاتفاقات يذوب قبل طلوع شمس نهار اليوم التالي، فيحق فيها تندر المثل الشائع على ألسنة عموم الناس: «كلام الليل كما الزبدة»... إلخ.

هل أقصد مما سبق أنني لستُ أثق بمضمون تصريح المسؤول في «فتح»، وقول القيادي من «حماس»؟ كلا، غياب الثقة ليس بالضرورة هو المقصود تحديداً، فليس لأحد حق التشكيك في نيّات أحد، إلا إذا توفر دليل جازم. أضيف أيضاً عدم اتفاقي مع نهج إطلاق أحكام ضد السياسيين عموماً، والقيادات الفلسطينية خصوصاً، من خلال تدبيج المقالات في صحف أو مجلات، والآن عبر مواقع الإنترنت. جدير بالمعلق السياسي أن يتذكر أنه ليس في موقع اتخاذ القرار، وأن هناك قياديين قد يختلف مع ما يتخذ أحدهم من مواقف، لكنهم في نهاية المطاف هم الموجودون في قلب الميدان، سواء السياسي أو القتالي. حقاً، ليس من مبرر يجيز إطلاق الأحكام، عبر التعليق السياسي، كأنها سيف يقطع دابر الشك بيقين غير قابل لأي نوع من الطعن في صدقيته. تعجب، أحياناً، لمن يروق له، أو لها، تضمين المقال عبارات من قبيل؛ «بلا جدال»، أو «لا شك»، أو «من دون أدنى ريب»، كأنما القائل ذاته، هو أو هي، فوق أي مساءلة. كلا، غير جائز، إطلاقاً، هكذا أسلوب عند التعامل، من موقع اختلاف الرأي، مع الساسة ومتخذي القرار. الإبقاء على هامش شك، يُبقي للكاتب والكاتبة مساحة جداً ضرورية لأن يراجع كلٌ منهما ما رأى في مرحلة معينة، كانت لها ظروف وأوضاع تخصها، ومن ثمّ تُتاح الفرصة للتراجع عما اتضح أنه خطأ، أو أن ما جدّ من أحوال، جبّ ما مضى من حالات. أليس الأفضل للمرء أن يواكب تطور الزمن، وألا يدع العصر يمضي من دونه؟ بلى.

بيد أن التقيّد بحكمة تجنّب إصدار أحكام تتخذ صفة الحسم، يجب ألا يُتخذ مبرراً لغض النظر عن تصرفات السياسي عندما يتجاوز المعقول، أو المفهوم، أو المُستعصي على التبرير. الانتقاد الموضوعي جائز، والنقد غير المبني على الهوى مشروع، ثم إن كليهما صحي، ولذا هو مطلوب دائماً. ضمن هذا السياق، يطل عليَّ مشهد الخلاف الذي دبّ الأسبوع الماضي بين السياسي ناصر القدوة، والدبلوماسي أيضاً، وقيادة حركة «فتح». عندما طالعت ما نشرت «ديلي تلغراف»، الأربعاء الماضي، منسوباً للسيد القدوة، لم أتردد في الاتفاق معه، ضمنياً، في جوانب النقد كافة. وعندما قرأت، تالياً، رد فعل حركة «فتح» بفصل ناصر القدوة، اختلفت فوراً مع الإجراء، إنما تفهمت سبب اتخاذه. كان الأنسب أن ينسق ناصر القدوة موقفه مع القيادة قبل إعلانه، فإذا تعذر الاتفاق، كان بوسعه الاستقالة، الأمر الذي يعطيه حرية الحركة بصرف النظر عن موقف حركة «فتح». في الإطار ذاته، كان الأفضل لقيادة الحركة أن تُبقي على كفاءة بوزن ناصر القدوة، لأن الفصل ليس الحل. يبقى أنني آمل العودة إلى القصة، في مقال آخر، إنما من جانب مختلف، ومهم كذلك، إذ يعيدني إلى شقة المُربي الكبير، الأستاذ جرير القدوة، بشرفتها المطلة على شارع عمر المختار بمدينة بنغازي، عندما كان أبو ناصر أحد كبار رجالات التعليم الأوائل في ليبيا. وكان يتكرم بفتح بيته للزوار الفلسطينيين، فتنتظم جلسات حوار مفتوح أسعدني القدر أنني شاركت فيها، خصوصاً عندما كان أبو عمار يأتي إلى ليبيا، ويجد قليل وقت لزيارة شقيقته أم ناصر وأسرتها. نعم، تلك أيام مضت، وأزمان ولّت، لكن ظلالها تظل عاكسة لجوانب من الحال الفلسطيني الراهن.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القدوة والانتخابات وقُدوَة الاختلافات القدوة والانتخابات وقُدوَة الاختلافات



GMT 09:12 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الخضرة والماء والوجه الحسن

GMT 09:08 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

اللبنانيّون وقد طُردوا إلى... الطبيعة!

GMT 09:04 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الضوء الأخضر للإرهاب

GMT 08:57 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

تايوان... «أوكرانيا الصين»!

GMT 08:52 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

أصوات العرب: جوّال الأرض

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء

GMT 14:11 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

جمعية خيرية تنظيم حملة للتبرع بالدم في تاوريرت

GMT 09:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيقاف وسيط في تجارة الممنوعات بالقصر الكبير
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca