أمير مثابر... ومملكة تتغير

الدار البيضاء اليوم  -

أمير مثابر ومملكة تتغير

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

من جديد؛ ها هو الأمير تشارلز يعود ليتصدر نشرات الأخبار، ويحتل صدر معظم الصفحات الأولى للصحف البريطانية؛ الرصين منها والخفيف، فيثير الجدل بما يقول. ليس ذلك بالأمر الجديد، إنما المفاجئ أنه حدث بعد انقطاع امتد بضع سنوات، بدا خلالها وريث العرش البريطاني حريصاً على تجنب الخوض في موضوعات ذات صبغة سياسية تحديداً.
ثمة جانب آخر لعنصر المفاجأة في الحدث من حيث إن الكلام المنسوب للأمير تشارلز تضمن إطلاق وصف حاد فيما يتعلق بقرار حكومة بلده ترحيل مهاجرين غير شرعيين إلى جمهورية رواندا في شرق أفريقيا؛ إذ نُسب إليه القول إنه أمر «مروع» - وفق ما زعمت صحيفة «ديلي ميل» الأسبوع الماضي - مما حفز مناصري الحكومة على القفز فوراً إلى الحلبة، وإحداث صخب إعلامي يعترض ليس على الوصف في حد ذاته فحسب؛ بل على التدخل في الشأن السياسي من جانب الأمير تشارلز.
من جهته؛ رفض مكتب الأمير تأكيد أو نفي الكلام، إنما أعاد التذكير بحرصه على التزام الحياد في الأمور السياسية.
سواء صح ما نُسب للأمير تشارلز، أم لم يصح، يبقى من الصحيح القول إن الرجل عُرف عنه الحرص، منذ مطلع شبابه، على الاهتمام بالقضايا العامة التي تخص عموم الناس؛ بدءاً بما يتعلق بأوضاع طبقات المجتمع البريطاني الأقل حظوظاً في مستوى الدخل، مروراً بمتابعة أمور الجاليات المهاجرة، وزيارة مقار عباداتهم، ومراكز ثقافية تخصهم، وصولاً إلى إبداء الإعجاب بنشاطات الشبان والشابات بشأن مواجهة أخطار تلوث البيئة. ضمن سياق كهذا، ليس من المستغرب أن يعرب الأمير تشارلز عن بعض قلق في أمر يتعلق بوضع أعداد من مهاجري القوارب، المجازفين برحلات عبر القنال الإنجليزي محفوفة بالمخاطر، على طائرات تحملهم إلى رواندا. الموقف في حد ذاته ليس غريباً، بصرف النظر عن تأييد أو معارضة القرار، بل هو تعبير عن مثابرة الرجل، وحرصه الدؤوب على متابعة ما يجري حوله من أحداث. أما التصرف غير المسؤول فهو تسرع الصحيفة في الكشف عن حديث خاص للأمير، ومن دون استئذان مسبق. إنه نهم الصحافي الدائم للحصول على سبق مِهني، أياً كانت العواقب.
يذكر حديث الهجرة والمهاجرين إلى بريطانيا بأمر الأرجح أنه واضح لكل متابع للتحولات التي حدثت، ولا تزال تحدث، في المملكة المتحدة خلال العقود الأربعة الماضية. الحق أنها مملكة تتغير بالفعل. خذ، مثلاً، موضوع ترحيل المهاجرين إلى رواندا. صحيح أن القرار بات يحمل ختم حكومة بوريس جونسون بشكل كلي، لكن صاحبة القرار أساساً، ويقال إنها المبتكرة لأصل الفكرة، هي السيدة بريتي باتيل، وزيرة الداخلية، وهي ذاتها من أسرة مهاجرة. إلى جانب مسيز باتيل، هناك وزيران في حكومة جونسون عهد إليهما بتحمل مسؤولية وزارتين في غاية الأهمية، هما: ريشي سوناك، وزير الخزانة، ونديم زهاوي، وزير التعليم، وكل منهما مهاجر ينتمي لأصول غير بريطانية. هل ثمة إشارات أبعد من مجرد تشكيل الحكومة تدلل على كم تتغير المملكة المتحدة؟
نعم؛ قبل أربعة عقود - من باب التذكير فحسب لأن أغلب المهاجرين إلى هذا البلد مذ ذاك الوقت، كما حالتي، يلحظون ذلك من دون شك - كان نادراً ما تظهر وجوه أفريقية، أو آسيوية، أو ذات أصول تعود إلى جزر الكاريبي، أو مجتمعات أميركا اللاتينية، في المسلسلات الشعبية مثل «كورونيشن ستريت»، أو «إيست إندرز»، أو «هولبي سيتي»، وغيرها. هذا يحدث منذ بضع سنوات، وبات الممثل النجم، أو المخرج التلفزيوني، أو اللاعب الرياضي، المهاجر إلى المملكة المتحدة، جزءاً من النسيج الأساسي للمجتمع البريطاني. إذن، تكراراً، أين العجب إن اهتم رجل وازن مثل الأمير تشارلز بموضوع الهجرة والمهاجرين؟ ليس من غرابة في الأمر على الإطلاق، رغم أن الأمر دقيق جداً وحساس، لكنه يبقى في غاية الأهمية لدى كل الناس، ومن الطبيعي أن يهتم به أمير مثابر على الاهتمام بكل ما هو جدير بالمتابعة في مملكة تساير متطلبات التغير؛ لأنها جزء فاعل في عالم متغير كل يوم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أمير مثابر ومملكة تتغير أمير مثابر ومملكة تتغير



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 11:50 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:56 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 13:15 2020 السبت ,16 أيار / مايو

بريشة : هارون

GMT 22:06 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

كيفية التعامل مع الضرب والعض عند الطفل؟

GMT 00:54 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

"المغرب اليوم"يكشف تفاصيل أزمة محمد رشاد ومي حلمي كاملة

GMT 20:23 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مسرحية "ولاد البلد" تعرض في جامعة بني سويف

GMT 22:59 2017 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت تزيين الطاولة للمزيد لتلبية رغبات ضيوفك

GMT 16:49 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

العراق يستلم من إيطاليا تمثال "الثور المجنح" بعد ترميمه رسميًا

GMT 08:07 2017 الأربعاء ,16 آب / أغسطس

شبكات التواصل بين السلبي والإيجابي

GMT 02:07 2017 الأربعاء ,10 أيار / مايو

كواليس عودة " عالم سمسم" على الشاشة في رمضان

GMT 06:59 2016 السبت ,24 كانون الأول / ديسمبر

الفنانة ندا موسى تكشف عن كواليس "ياباني أصلي"

GMT 03:39 2016 الإثنين ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مصور بريطاني يكشف مأساة النسور بكاميرته

GMT 20:47 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

اختيار إدريسي أفضل حارس في الدوري الفرنسي لكرة اليد
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca