الثمن يدفعه روس وأوكرانيون

الدار البيضاء اليوم  -

الثمن يدفعه روس وأوكرانيون

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

مع نشر هذا المقال في عدد «الشرق الأوسط» الصادر اليوم، يحتمل أن يشاهد العالم دبابات موسكو تتمخطر في شوارع كييف، بعد تنفيذها قرار المضي قدماً بغزو أوكرانيا. مشهد مختلف محتمل أيضاً؛ ربما تكتفي جحافل روسيا باقتحام الحدود، وتحجم عن الوصول إلى عاصمة أوكرانيا. احتمال ثالث يظل قائماً هو الآخر، خلاصته أن حشود الجيش الروسي لم تزل تضرب طوق حصار حول جارة روسيا، غير آبهة أن تخترق عواصف صقيع الجليد عظام جنود محصنين جيداً لمواجهة مثل هذه الظروف. إنما؛ لم كل هذا التوتر أساساً؟ كما صار من المعروف، يبدو أن أوكرانيا حق عليها العقاب، وفق أعراف سيد الكرملين، فور إعلانها نية الانضمام إلى حلف «الناتو»، لكن نوع الإجراء التأديبي، وموعد التنفيذ، بقيا في انتظار ظرف مناسب، لذا يبدو واضحاً، الآن، أحد أهداف ضم جزيرة القرم (2014) وهو جس نبض ردود فعل الغرب. حسناً، هل أصاب التصدع أي جدار داخل الكرملين عشية ما تلا ذلك الضم من صداع الزعيق الغربي؟ كلا.
واقع تجارب تعامل زعماء كثر بين زعامات النظم الشمولية، كما النظام الروسي، مع معامل إنتاج السياسات في عواصم الغرب، أثبت في كثير من الحالات أن كل ما يثار من ضجيج التهديد بأقصى أنواع الرد، وما يرافق ذلك من زوابع غبار أشد العقوبات، يتمخض في معظم الأحوال عن إحدى حالتين، أو كلتيهما؛ الأولى، هي الإعلان رسمياً عن عقوبات تبدو فعلاً قاسية بحق قيادات البلد المستهدف، لكنها لن تؤثر عملياً في معظمهم، إذ سوف يجدون دائماً وسائل التفاف حولها، فيما المؤكد أن يسدد فاتورة تلك الإجراءات السواد الأعظم من مواطني ذلك البلد المنكوب مرتين، مرة لأنهم مبتلون بحكام مغامرين، غير آبهين بغير تواصل تسلطهم، وثانية بزعماء دوليين ليس يعنيهم سوى استمرار مصالح بلادهم، حتى لو استدعى الأمر فرض رؤاهم بالقوة، أو الأصح رؤى مراكز التفكير الاستراتيجي التي تضع لهم تصورات خططهم، كي يتضح لاحقاً، أن البعض منها صحيح بالفعل، بينما ينتهي أكثرها في سلال مهملات كهربائية تمزق أطرافها إرباً كي يستحيل فك شفرتها لاحقاً.
ثاني الحالتين تتمثل في عدم الانتظار طويلاً، بل المباشرة فوراً في شن عمليات عسكرية تردع من يرى صناع القرار الغربي أنه تجاوز خطاً أحمر مرسوماً له. حصل مثل هذا التصرف العسكري السريع في حالات محددة، بمختلف أنحاء الأرض، كما في حرب سيدة بريطانيا الحديدية، مارغريت ثاتشر، على الأرجنتين لاسترجاع جزر الفوكلاند (1982) وكما في إرسال الرئيس جورج بوش الأب، قوات المارينز إلى بنما لخلع رئيسها مانويل نورييغا (1989) والقبض عليه. أما الوضع في دول ذات أوضاع معقدة، كما العراق وليبيا، فقد تطلب الكثير من تمهل ساسة الغرب قبل الإقدام على تغيير النظام في كلا البلدين بالقوة. طوال ذلك الانتظار كانت أوجاع العقوبات تعض أصابع الناس المطحونين تحت أضراس آلامها في المجتمعين، فيما أغلب كبار المحظوظين داخل دوائر النظامين غير معنيين بدفع أي ثمن لقسوة تلك العقوبات. أين السبب، إذن، في وضع التردد هذا، هل يغزو بوتين أوكرانيا أم أنه لن يقدم على الغزو؟
الأرجح أن التردد يرجع إلى أن القيصر عاكف في قصر الكرملين على الاجتماع إلى كبار الجنرالات، يسمع وجهات النظر التي يبدون، فإما يبتسم، أو يتأفف، وقد يخفي وجهه المتمرس على إظهار عكس ما يحس، مذ تدرب على فنون أجهزة الاستخبارات خلال أيامه تحت سقف «كي جي بي»، شعور توجس يحك في صدره، إذ هو غير متأكد تماماً، وعلى نحو محدد، إن كانوا جميعاً، جنرالات ومستشارين ووزراء، يخفون نقيض الذي يعلنون، تخوفاً من انقضاض غضب بوتين المفاجئ، فيكتفون بإسماع متخذ كل القرارات، في آخر المطاف، ما يشعرون أنه سوف يرضيه، بمن فيهم، أو قل إنه أولهم، سيرغي لافروف، وزير خارجيته، الموكل إليه واجب أن يرفرف دائماً بجناحي حمامة السلام، حتى لو صم آذان العالم قرع طبول الحرب. عموماً، غزا أو لم يغزُ، وحتى في حال إيقاع أقسى العقوبات على الرئيس بوتين نفسه، وكبار المستفيدين من حكمه، في أرجاء الكوكب كافة، فإن دفع الثمن الفادح سيقع على كاهل بسطاء الروس والأوكرانيين، تماماً كما حصل للعراقيين من قبل، والليبيين بعدهم، ولا أحد يعلم أين يختبئ المقبل من أزمات عالم متعب حقاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثمن يدفعه روس وأوكرانيون الثمن يدفعه روس وأوكرانيون



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء

GMT 14:11 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

جمعية خيرية تنظيم حملة للتبرع بالدم في تاوريرت

GMT 09:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيقاف وسيط في تجارة الممنوعات بالقصر الكبير

GMT 04:03 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

صدور كتاب تربوي جديد للدكتور جميل حمداوي

GMT 13:41 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ليلى أحمد زاهر تهنئ هبة مجدي بخطوبتها
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca