هل ينقذ الاعتذار جونسون؟

الدار البيضاء اليوم  -

هل ينقذ الاعتذار جونسون

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

على النقيض من «لغة الإشارة»، التي تُدرّس في معاهد متخصصة كي يُستفاد منها، بمختلف أنحاء الأرض، في التواصل مع أناس حُرموا من نعمتي السمع والنطق، وهي تخضع، بالتالي، لقواعد توجب التقيد بها، ليس للجسد «لغة» يتحدث بها، وتفرض لذاتها أسس إعراب أو نحو وصرف. أما تعبير «Body Language» - كما يعرف كل دارس مهتم بتطور علوم النفس، وكذلك كل شخص شغوف بالبحث، أو فضولي يسعى لمعرفة أصل الأشياء، بما فيها المصطلحات والتعابير الدارجة على ألسنة الناس، الخواص منهم وأيضاً العوام - فهو مُستجد، نسبياً، وهو موضع جدل بين علماء النفس أنفسهم، من حيث مدى دقة استخدام كلمة «لغة»، تحديداً، عند دراسة قسمات وجوه البشر، أو حركات بقية أعضاء الجسم، مثل مدى انفراج الذراعين، أو إحكام ضمهما، وكذلك فتح الكفين أو انقباضهما، بقصد تحليل الوضع النفساني، ومن ثم المعنوي، لشخصية ما خلال حدث مهم، أو أثناء مؤتمر حاسم. مع ذلك، فقد درج التعبير على الألسنة واعتُمد أسلوباً ضمن مناهج التحليل السياسي، بصرف النظر عن الصواب أو الخطأ.
ضمن سياق ما سبق، يمكن القول إن «لغة» بوريس جونسون الجسدية، كما عبرت عنها قسمات الوجه، سواء خلال الحديث، أو أثناء الجلوس، تحت قبة مجلس العموم البريطاني يوم الأربعاء الماضي، كانت أكثر من كاشفة، بل ربما ليس من قبيل المبالغة القول إنها كانت فضاحة، إذ طفقت تزعق بمنتهى الوضوح أن الرجل مُقر بارتكاب أمر مخجل، أو ذنب سياسي، يرقى إلى مستوى الفضيحة بالفعل، ما استدعى منه استهلال الكلام بإقرار أنه مقرٌ بوجوب الاعتذار. برافو. حقاً، من الصحيح جداً أن يقدم أي رئيس وزراء، بأي بلد على الاعتراف بخطأ ما، ثم يمضي أبعد فيعتذر. ذلك تصرف يتطلب من السياسي، عموماً، شجاعة، حتى لو بدا الأمر في بلد، كما بريطانيا، أقرب إلى الطبيعي منه إلى الموجب لأي إعجاب. بيد أن السؤال بقي يلّح على متابعي مجريات الشأن البريطاني منذ الكشف عن حفلات «داوننغ ستريت» خلال فترات الإغلاق، ربيع عام 2020، هل يجدي الاعتذار فيُبقي على بوريس جونسون في موقع رئاسة الحكومة؟
ذلك تساؤل يستحق ما يقال بشأن الأسئلة عندما توصف بالتعجيز، خصوصاً عندما يصعب العثور على جواب دقيق لأي منها فوراً، فيُقال أن «هكذا استفسار هو سؤال الستة ملايين دولار». تقلبات الواقع السياسي تجيز القول إن هكذا توصيف لا يبتعد كثيراً عن الفارق بين ما يجري علناً أمام الناس، وما يدور خلف الكواليس، وفي دهاليز قدماء كبار السياسيين. ليس سراً أن خصوم بوريس جونسون في أوساط ساسة بريطانيا، والمعنيين بمسار اقتصادها، كثيرون. هؤلاء موجودون في صفوف حزب «المحافظين» ذاته، لكنهم كانوا أقلية ذات تأثير محدود ينحصر بين النُخب فقط. لم يكونوا بالعدد، وحجم التأثير، اللذين هم وهن عليهما الآن. انكشاف الاستهتار المتمثل بتصرفات الإقدام على حفلات حديقة مقر رئاسة الحكومة، شكل خطراً حاق فعلاً بمكانة مستر جونسون، لجهة مدى استقامة أسلوبه في العمل السياسي «INTEGRITY»، وحين تحط هكذا شكوك على سطح بيت أي رئيس حكومة، فإن ذلك سوف يحط، في أعين أعداد ناخبين كُثر، من مقدار التمسك به زعيماً للحزب ومتولياً إدارة شؤون بيوت الناس. النائب ستيف بيكر، وهو من أبرز حلفاء جونسون، وأحد أهم الداعمين لانتخابه لزعامة «المحافظين» عام 2019، قال يوم الاثنين الماضي إن نسبة دعم أنصار الحزب للرئيس جونسون في دائرته، هي الآن واحد مقابل ستين في معسكر الضد.
إذا كان وضع رئيس الوزراء البريطاني على هذا الحال بين أنصار حزبه، فكيف هو بين مؤيدي أحزاب المعارضة، من جهة، وفي دوائر الناخبين عموماً؟ ليس مطمئناً، بالتأكيد. لكن، هل يعني هذا أن حكماً بإنهاء حكم بوريس جونسون قد صدر فعلاً داخل شرائح المتنفذين العليا من حزب «المحافظين»؟ ليس بالضرورة، الأرجح أن ينتظر هؤلاء تقرير السيدة سوزان غراي، المكلفة من قبل رئيس الوزراء نفسه، التحقيق في وقائع ما جرى من حفلات فترة الإغلاق. كثيرون في انتظار الاطلاع على التقرير، والاحتمال الأغلب أن يبقى بوريس جونسون في المنصب، ولو بإحساس قلق. أما المؤكد، تقريباً، فهو أن المستقبل السياسي للرجل ليس مشرقاً على الإطلاق، حتى في حال حظي بصك براءة من السيدة غراي، وهو أمر مُستبعد جداً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل ينقذ الاعتذار جونسون هل ينقذ الاعتذار جونسون



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء

GMT 14:11 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

جمعية خيرية تنظيم حملة للتبرع بالدم في تاوريرت

GMT 09:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيقاف وسيط في تجارة الممنوعات بالقصر الكبير

GMT 04:03 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

صدور كتاب تربوي جديد للدكتور جميل حمداوي

GMT 13:41 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ليلى أحمد زاهر تهنئ هبة مجدي بخطوبتها
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca