لليهودي اعتذار... وللفلسطيني؟

الدار البيضاء اليوم  -

لليهودي اعتذار وللفلسطيني

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

وفق تقرير نشرته «الغارديان»، التأم حفل ديني نهار الأحد الموافق ثامن مايو (أيار) الحالي، بهدف اعتذار «الكنيسة الأنجليكانية» عن أخطاء ارتُكبت بحق يهود إنجلترا قبل ثمانمائة عام. الحفل، كما أوردت الصحيفة البريطانية، جرى في «كرايست تشيرش» بمدينة أوكسفورد، بحضور أفرايم ميرفس، كبير حاخامات بريطانيا، وعدد من كبار القساوسة في كاتدرائية «كانتربيري»، وكذلك كنيسة «الروم الكاثوليك». تجتهد هارييت شيروود، كاتبة التقرير، فتتوسع في شرح تفاصيل تطلع المعنيين بفهم موجبات هكذا اعتذار، بعد قرون ثمانية مرت على ما وقع، فتوضح أن مجمع إنجلترا الكَنسي زمنذاك، اتخذ جملة قرارات ضد اليهود تضمنت التالي: منع إقامة علاقات تواصل اجتماعية بينهم وبين جيرانهم المسيحيين، إجبارهم على وضع علامات توضح ديانتهم، إلزامهم دفع جزية بما يعادل عُشر دخلهم السنوي للكنيسة، منعهم من ممارسة أعمال معينة، وحرمانهم من بناء مقار لمعابد جديدة. الحق أنني صُدمت بما طالعت، وكإنسان، أرى أن أقل ما يمكن وصف هكذا إجراءات به، هو الإقرار أنها بالفعل جائرة، قاسية، عنصرية، بل هي غير إنسانية أساساً، والاعتذار عنها، ولو أنه متأخر جداً، حق لليهود، مثلما هو واجب على «الكنيسة الأنجليكانية»، يُقدر لها شجاعة الإقدام عليه.
القصة لم تنته عند ذلك الحد من إجراءات الظُلم الإنجليزي الماضوي الذي كان واقعاً على يهود إنجلترا. فمع نهايات القرن الثالث عشر، كما أورد التقرير ذاته، جرى اتخاذ قرارات أبعد مدى في ملاحقتها لليهود، إذ تقرر منعهم من تملك الأراضي، وصودرت حقوقهم في توريث ممتلكاتهم، واستحدثت قوانين تبرر اعتقالهم، أو إعدام أعداد منهم، وانتهى الأمر بهم جميعاً - يُقدر عددهم آنذاك بثلاثة آلاف - إلى مواجهة تبعات إنفاذ قرار للملك إدوارد الأول بطردهم من إنجلترا كلها، ولم يتمكنوا من العودة قبل مضي أكثر من ثلاثمائة وستين عاماً. بالطبع، معلوم أن «الكنيسة الأنجليكانية» لم تكن قد وُجدت، بعد، خلال تلك الممارسات، الأمر الذي يوجب القول إنها كمؤسسة، ولا كرعايا، ليست مسؤولة، وليسوا مسؤولين، عما حدث، وهو ما يضيف إلى إقدام مرجعياتها الدينية العليا على خطوة الاعتذار لليهود بعداً ذا أهمية في الجانب التاريخي. هل أعطى المقال هذه الخطوة حقها الكافي من الترحيب بها، وتقدير أهميتها؟ الأرجح؛ نعم. إذنْ، ننطلق إلى جانب آخر من الصورة، أعني الجانب المتعلق باعتذار طال انتظار الفلسطيني له، والحق أنه يعني غير الفلسطينيين أيضاً، لأن العرب عموماً، والمسلمين أيضاً، معنيون به كذلك.
بدءاً، ينبغي القول إن «الكنيسة الأنجليكانية» ليست هي تحديداً المُطالبة بالاعتذار. ثانياً؛ لعل من الضروري تفسير لماذا يعني الأمر ملايين العرب والمسلمين. الإجابة، باختصار، لأن التجني على العربي والمسلم في شأن إلحاق المظالم بجاليات اليهود، والتنكيل بهم، وترويع عائلاتهم، ونهب ممتلكاتهم، قبل قيام إسرائيل، وبعده، اتخذ أبعاداً ظالمة هو في حد ذاته، إلى الحد الذي كاد يزرع صورة غير صحيحة في عقول الناس أجمعين، مؤداها أن اليهود لم يتعرضوا، طوال تاريخهم، لأي ظلم واضطهاد، ومطاردات، سوى من جانب العرب والمسلمين، وأن «العداء للسامية»، حيثما وُجد على الأرض كلها، هو اختراع عربي - إسلامي بالدرجة الأولى. ذلك محض افتراء مكشوف منذ زمن بعيد، إنما مع نشر كل تلك التفاصيل المرافقة لاعتذار «الكنيسة الأنجليكانية»، ليس من الخطأ أن تُطالب المرجعيات اليهودية ذات الشأن الموثوق بأن تعتذر هي أيضاً عن ترويج مثل تلك الصورة، من غير أن يعني ذلك إنكار وقوع مآس تعرض لها بعض اليهود في عدد من الدول العربية والإسلامية.
أما الفلسطيني، المُبتلى ببواكي إحياء ذكرى النكبة الأولى كل عام، كما جرى الأحد الماضي، فليس كثيراً عليه أن يتلقى هو أيضاً الاعتذار من كل طرف أسهم مقدار ذرة، أو أقل، أو أكثر، فيما آل إليه حاله منذ اقتُلع من جذوره في بلاده، وألقي به إلى مخيمات المنافي، وأدغال غابات صراع القوى العالمية. نعم، «الكنيسة الأنجليكانية» ليست تحديداً من يقع عليها عبء الاعتذار للفلسطيني، إنما بريطانيا الإمبراطورية، آنذاك، والدولة العظمى الآن، تتحملان النصيب الأكبر من المسؤولية، وأقل ما يمكن للفلسطيني أن يتوقعه هو اعتذار بريطاني صريح، شجاع، واضح، يتبعه عمل سياسي جريء يصحح بعضاً من أخطاء وخطايا بريطانيا في فلسطين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لليهودي اعتذار وللفلسطيني لليهودي اعتذار وللفلسطيني



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:41 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 09:52 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

أمطار صيفية تعزل دواوير ضواحي تارودانت

GMT 07:59 2018 الأحد ,15 تموز / يوليو

"بورش" تحتفل بالذكرى الـ70 لسيارتها الأولى

GMT 16:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 08:36 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

النفط ينخفض مع تهديد الصين برسوم جمركية على الخام

GMT 05:34 2018 الإثنين ,11 حزيران / يونيو

تعرف على أبرز علامات ظهور "ليلة القدر"

GMT 23:49 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

الليمون الحل النهائي للقضاء على "قشرة الشعر"

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca