اللانظام العالمي والشتاء المظلم

الدار البيضاء اليوم  -

اللانظام العالمي والشتاء المظلم

إميل أمين
بقلم : إميل أمين

هل من ملامح أو معالم للنظام العالمي الحالي، وبنوع خاص على عتبات الشتاء المثير والخطير القادم، لا سيما بعد ثلاثة أعوام من تفشي فيروس شائه، أدى إلى جائحة قاتلة وقرابة تسعة أشهر من الاجتياح الروسي لأوكرانيا، عطفاً على أول تجربة احتكاك بين الولايات المتحدة والصين، كادت تشعل فتيل مواجهة كونية؟
لا نغالي إن قلنا إن الوضع الراهن يمكن وصفه باللانظام الدولي، بخاصة بعد فشل الولايات المتحدة في بلورة ما رأته نظاماً عالمياً جديداً بقطبية منفردة، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي قبل ثلاثة عقود.
لم يعد عالمنا المعاصر عالم الثنائية القطبية التقليدية، وفي الوقت عينه لم تتشكل بعد مواصفات التعددية الأممية التي بشر بها المنظر الأميركي الشهير، ريتشارد هاس، في أواخر العقد الأول من القرن الحالي، الأمر الذي يطرح علامة استفهام مقلقة حول قادم الأيام على المستوى الكوكبي.
عبر مجلة «فورين بوليسي» الأميركية الشهيرة والرصينة، كتب شيفشانكار مينون، الدبلوماسي الهندي، الذي عمل مستشاراً للأمن القومي لرئيس الوزراء الهندي، مانموهان سينغ، مقالاً مطولاً عنوانه:
No body Wants the Current World Order «لا أحد يريد النظام العالمي الحالي»، حيث يشرح الأوضاع الدولية، والتيارات السياسية العالمية، عطفاً على الآيديولوجيات التي سادت، ليخلص إلى رؤية مؤداها أن العالم يعيش مرحلة من النهج التعديلي، أو التنقيحي، حيث من يملك القوة راغب في، وقادر على، ضبط المسارات، وتعديل المساقات، وفقاً لمصالحه، ومن دون أدنى مبالاة بالآخرين، ما دام يعتقد في فكر القوة الذي يصد ويرد عنه، طرح العقاب الأدبي أو المعنوي.
ماذا لو حاولنا تفكيك هذه الرؤية التي يتحدث عنها الدبلوماسي الهندي، الذي يعمل الآن أستاذاً زائراً للعلاقات الدولية في جامعة أشوكا بالهند؟
تبدو الخريطة الدولية من أدنى الغرب الأميركي إلى أقصى الشرق الآسيوي، في سياق تشكل هويات لزجة، تتزاحم وتتصادم كل يوم، وغالب الظن أنها ستأخذ عقداً من الزمن على الأقل، حتى تصل إلى صورتها شبه النهائية، بعد صمت دوي المدافع.
خذ إليك على سبيل المثال الولايات المتحدة، التي تعاني في داخلها من تشظٍ وصراعات مجتمعية، تنعكس حكماً على العالم الخارجي، وذلك من خلال شعارات لا تتجاوز الرطانة اللغوية كقول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب «أميركا أولاً»، ومن بعده بايدن وحديث «بناء عالم أفضل».
الرؤية الأميركية تسعى لإعادة السيادة المطلقة لواشنطن، وهدفها الرئيس قطع الطريق على قطبية الصين، وفي الطريق لم تعد تهتم بالمؤسسات الأممية التي ساعدت على قيامها بعد الحرب العالمية الثانية، كالأمم المتحدة، ومنظمة التجارة العالمية، كما انسحبت من اتفاقيات الشراكة عبر المحيط الهادئ، وبات جل همها إحياء التحالفات العسكرية، ولو بشكل محدود، كما الحال مع تحالف «أوكوس»، وتحالف «كواد».
هل وضع الصين يختلف كثيراً عن حال أميركا؟ لا تبدو بكين بدورها حجر زاوية في عالم مستقر، لا سيما في ظل الهشاشة الداخلية التي انكشفت أمام العالم عبر أزمة «كوفيد - 19»، خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة، ومن الواضح أنها باتت تسابق أميركا في دروب البراغماتية غير المستنيرة، وعينها على إعادة ترتيب ميزان القوى في آسيا، ومنح صوت أقوى للصين في الشؤون الدولية.
من الواضح جداً أن الارتباك والقلق في الداخل الصيني اليوم، كفيلان بإحداث المزيد من الاضطرابات وضبابية المشهد، لا سيما أن الصين غير قادرة على تقديم آيديولوجيا جديدة مغايرة أو بديلة، لما تقدمه الدوائر والحواضن الغربية. وبالانتقال إلى بلاد «القيصر» بوتين، يبدو وكأن أوان الحساب أو الانتقام قد حل، وموعد سداد تكاليف خذلان الغرب لروسيا بعد ثلاثة عقود من تفخيخ الاتحاد السوفياتي قد حل، ما دفع موسكو إلى التحرك العسكري، وعدم انتظار «الناتو» على الأبواب.
ما قامت به روسيا تجاه أوكرانيا، هو ضرب من ضروب السلوك التعديلي، الانتقائي أو الانتقامي، لا يهم، المهم أنها تعمد إلى تغيير المشهد الدولي، بقدر ما يتوافر لها من قوة النيران، وحتى إذا بلغ المشهد المقارعة النووية.
وفي هذه الأثناء تبدو أوروبا قارة غائبة، قرارها ليس في يدها، بل عند العم سام، وهو ما باتت تدركه الكثير من النخب الفكرية في قارة التنوير، ولهذا ربما صحت ألمانيا مؤخراً على حقيقة النهج التنقيحي، ذاك الذي يعود بها إلى منعرجات القوة العسكرية مرة ثانية، بعد أن أدركت أن صاحب القوة هو من يحدد الحقيقة، كما قال اليوناني القديم ثيراسيماخوس، ولهذا رصدت مائة مليار يورو لإعادة التسلح.
النهج التعديلي عينه نجده في اليابان، التي باتت تنفض عنها مؤخراً تبعات الحرب العالمية الثانية، وتسعى في طريق تغيير الدستور، والسماح بامتلاك منطلقات القوة العسكرية مرة جديدة والتحسب لمواجهة قادمة لا محالة مع الصين.
لا أحد يعمل مع الآخر من أجل رسم معالم خريطة دولية لنظام عالمي يكاد يقبل على شتاء مظلم، والظلمة هنا قد تتبدى من خلال نقص إمدادات الطاقة في أوروبا من جانب، لكن الجانب المخيف هو ظلام العقول والقلوب، وسيادة رؤى الكراهية بين الأمم والشعوب، ففي وسط التخبط التعديلي، حكماً ستنهض تيارات اليمين القومي، وتتصاعد شهوات قلب الأناركيين، ودعاة التفلت من أطر الدولة التقليدية، ويتزايد الرفض للديمقراطية والليبرالية... هل تضحى الحرب قابلة التاريخ هي الحل؟
راجعوا كارل ماركس يرحمكم الله.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللانظام العالمي والشتاء المظلم اللانظام العالمي والشتاء المظلم



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:59 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 02:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

قطار ينهي حياة شيخ ثمانيني في سيدي العايدي

GMT 10:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

"خلطات فيتامين سي" لشعر جذاب بلا مشاكل

GMT 13:54 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

نصائح مهمة لتجنب الأخطاء عند غسل الشعر

GMT 13:08 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام فعاليات "ملتقى الشبحة الشبابي الأول " في أملج

GMT 16:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

كمبوديا تستخدم الجرذان في البحث عن الألغام

GMT 04:44 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميم مجمع مباني "سيوون سانغا" في عاصمة كوريا الجنوبية

GMT 06:28 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

خبير إتيكيت يقدم نصائحه لرحله ممتعة إلى عالم ديزني

GMT 12:22 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 7 على الأقل في قصف جوي ومدفعي على حي الفردوس في حلب

GMT 04:48 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمير الوليد بن طلال يؤكد بيع أسهمه في "فوكس 21"

GMT 22:13 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

منتخب غانا يهزم نظيره المصري في بطولة الهوكي للسيدات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca