2025... كارثة مناخية وبداية نهاية البشرية

الدار البيضاء اليوم  -

2025 كارثة مناخية وبداية نهاية البشرية

إميل أمين
بقلم : إميل أمين

تبدو البشرية في قلب لحظة تناقض جوهرية، ففيما تتصارع القوى الكبرى بهدف السيطرة على أكبر قدر ممكن من النفوذ، يبدو كوكب الأرض في خطر داهم، ولم تفلح الصيحات الزاعقة ولا الرايات الفاقعة، التي رفعت طوال الأعوام الماضية، وآخرها ما دار في مؤتمر غلاسكو للمناخ في نوفمبر (تشرين الثاني) المنصرم في اسكوتلندا، في تنبيه الناس ورفع الالتباس، وكأن قوم نوح عادوا مرة أخرى، وما من جبل سوف يعصم الخليقة من الطوفان القادم عما قريب.
ما الذي جرت به المقادير مؤخراً ويستدعي هذا الكلام القاسي؟
المؤكد أن ما أعلنته وكالة ناسا الأميركية للفضاء، وبالشراكة مع مركز بحوث علوم الجليد والمناطق القطبية، من انهيار جليدي حدث نهار الجمعة 18 مارس (آذار) الماضي، لجرف جليدي بحجم العاصمة الإيطالية روما، في منطقة إنتاركتيكا القطبية الجنوبية، هو السبب الرئيس وراء هذه القراءة، ومرد ما جرى هو ارتفاع درجات الحرارة خلال الأيام الماضية.
الانهيار المشار إليه ليس أول تحرك لكتل ثلجية هائلة، فقد شاهدنا حوادث مشابهة في السنوات القليلة المنصرمة، ولن يكون هذا آخرها، سيما أن العلماء يخبروننا بأن هناك مخاوف تكاد تصل إلى حد اليقين لا الشك لجهة ذوبان جرف «ثواتيس» الجليدي الذي يفوق حجمه 100 ضعف مساحة ولاية فلوريدا.
تبلغ مساحة فلوريدا نحو 170.312 كيلومتراً مربعاً، وللقارئ أن يتصور ذوبان منطقة ثلجية بهذا المقدار، الأمر الذي يفسر لنا لماذا يسمي العلماء ذلك الجرف بـ«جليد يوم القيامة».
يخبر علماء المناخ بأن مناطق شرق إنتاركتيكا، تشهد ارتفاعات غير عادية في درجات الحرارة خلال الأسابيع الماضية، فقد سجلت محطة كوندورديا درجات حرارة قياسية بلغت سالب 11 في مارس المنصرم، وهي أعلى بـ40 درجة مئوية مقارنة بالمستويات المألوفة في المواسم السابقة.
لم يعد الاحتباس الحراري تعبيراً مشهوداً فوق الأراضي الوعرة والسهول، والجبال والهضاب فحسب، فقد بتنا نستمع إلى تعبير جديد يطلق عليه «نهر طقس»، الذي يعني الاحتباس الحراري في أجواء القارة القطبية، ما يفيد بأن هلاك الزرع والضرع قادم لا محالة، من خلال ارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات، والوصول إلى لحظة الطوفان بالفعل لا بالقول.
في أواخر الشهر الماضي، بدا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وكأنه يتوسل البشرية لمستقبل «أمنا الأرض»، فعلى هامش مؤتمر النمو المستدام الذي نظمته مجلة «الإيكونوميست» في لندن، خاطب العالم الماضي نحو الكارثة المناخية «مغمض العينين»، ومحذراً من أن الاقتصادات الكبرى تمضي برفع انبعاثاتها من غازات الدفيئة رغم الوضع المتأزم، وكأن كل ما جرى في غلاسكو، كان عبثاً من قبل بشرية آفة حارتها النسيان.
تبدو إدارة الرئيس بايدن منشغلة إلى أذنيها في التوسع شرقاً، وتمدد حضور الناتو على القرب من جغرافية القيصر الغاضب، ولا تدرك أن الخطر الأكثر هولاً لا يأتيها من صواريخ موسكو الفرط صوتية، بقدر ما تتهددها مستويات البحار من حولها، والعهدة على الدراسة التي أجرتها الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات ونشرتها في فبراير (شباط) من العام الجاري، وتشير إلى زيادة قادمة بمقدار يصل إلى نصف متر من المياه المحيطة بها، وهي الدولة المتمترسة بين محيطين: الأطلسي من الشرق والهادي من الغرب، ما يعني زيادة غير مسبوقة في مستوى الفيضانات التي ستضرب البلاد، وهو ما دفع جينا مكارثي، مستشارة الرئيس بايدن للقول: «إن هذه البيانات الجديدة عن ارتفاع مياه البحار هي أحدث تأكيد على أن أزمة المناخ وكما قال الرئيس بايدن قد رفعت راية الخطر الحمراء».
على أن أي تحليل سياسي أولي لتوجهات الرئيس بايدن الخارجية، تدفع لاستنتاج العكس، لا سيما بعد قراره مقاطعة نفط روسيا، والسحب من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي الأميركي، الأمر الذي يفتح الباب واسعاً جداً للعودة إلى استخدام الفحم الكربوني، الذي سبقته الصين إليه في اليوم الثالث من أعمال مؤتمر غلاسكو، وكأني بها لا تقيم وزناً إلا لقطبيتها القادمة على عجل، ولتذهب الكرة الأرضية ما شاء لها أن تذهب.
خلال ثلاث سنوات أي بحلول عام 2025، ربما لن تصبح الكرة الأرضية كوكباً قابلاً للعيش... هذا التحذير الخطير ورد في التقرير الأخطر الذي صدر في 4 أبريل (نيسان) الجاري عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في الأمم المتحدة، ومشروطية العيش البشري هنا مرتبطة بتخفيض انبعاثات الغاز في السنوات الثلاث القادمة، أو القارعة، حيث سترتفع درجة حرارة الكرة الأرضية درجتين.
ولأن العالم الطبيعي لا يخضع لحدود سيادية، وبسبب غياب ضمانات تلزم القوى الكبرى بتنفيذ تعهداتها بخفض الانبعاثات القاتلة، حكماً سوف تفشل البشرية في تجنب الكارثة التي تلوح في الأفق، بدءاً من عند انهيار التنوع البيولوجي، وصولاً إلى الانهيار الجليدي.
على مقربة من صيف يبدو أنه سيكون قائظاً، من جراء التغيرات المناخية، تدور معارك الطاقة، ولا أحد يدري كيف ستكون قادمات أيامها، وبخاصة إذا قررت روسيا معاقبة أوروبا بالقطع والمنع، وساعتها سيكون الخيار بين الموت برداً، أو الموت من استخدام الطاقة الكربونية.
الكائن البشري في حاضرات أيامنا لم يعد يعرف مكانته الصحيحة في هذا العالم، وبات يتخذ مواقف تدور حول ذاته، ما يطلق عليه «المركزية الإنتروبية»، فهو يتمحور من حولها حصرياً، وعلى سلطته يعتمد، ويتمخض عن هذا منطق «استعمل وألقِ».
يسوِّغ إنسان العصر الحديث كل نوع من أنواع الإقصاء، بيئياً كان أم بشرياً، ويعامل الآخر والطبيعة بوصفها مجرد سلع. أي مستقبل ينتظر الراحل كوكب الأرض؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

2025 كارثة مناخية وبداية نهاية البشرية 2025 كارثة مناخية وبداية نهاية البشرية



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء

GMT 14:11 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

جمعية خيرية تنظيم حملة للتبرع بالدم في تاوريرت

GMT 09:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيقاف وسيط في تجارة الممنوعات بالقصر الكبير

GMT 04:03 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

صدور كتاب تربوي جديد للدكتور جميل حمداوي

GMT 13:41 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ليلى أحمد زاهر تهنئ هبة مجدي بخطوبتها
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca