خمسون عامًا على مذبحة ميونيخ!

الدار البيضاء اليوم  -

خمسون عامًا على مذبحة ميونيخ

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

ما جرى كان فصلًا مريرًا من تاريخ القضية الفلسطينية، ليس بما لطخها من سمعة «إرهابية»؛ وإنما أكثر من ذلك الفشل الفلسطينى الدائم فى إقامة علاقة صحية بين السياسة اللازمة لتحقيق الأهداف الفلسطينية فى التحرير والاستقلال وإقامة الدولة، واستخدام السلاح المنضبط بقيادة موحدة تعبر عما سوف تكون عليه الدولة الفلسطينية عند قيامها. وفى عالم اليوم، فإن حركة التحرر الوطنى الفلسطينية بقيت من بين حركات التحرر الوطنية التى جرَت فى العالم دون تحقيق أهدافها حتى اليوم. وعندما اقتربت كثيرًا من تحقيق هذا الهدف فى أعقاب التوقيع على اتفاقيات أسلو، التى أتاحت، لأول مرة فى التاريخ الفلسطينى، وجود سلطة وطنية فلسطينية على الأرض الفلسطينية؛ فإن قوى فلسطينية- حماس- بذلت جهدًا فائقًا لإفشال هذا الإنجاز من خلال عمليات انتحارية جرَت، بينما المفاوضات تسعى إلى انسحاب إسرائيلى آخر.

كان جيلنا شاهدًا على بداية المقاومة الفلسطينية مع انطلاق حركة فتح فى أول يناير عام ١٩٦٥، وما تلاها من إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية. وحينما جرَت هزيمة يونيو ١٩٦٧ كانت عمليات العاصفة تقدم درسًا فى النضال يشبه ذلك الذى جرى من قبل فى الجزائر، خاصة بعد الدفعة التى أعطاها انضمام فتح وعدد من المنظمات الأخرى إلى المنظمة تحت قيادة ياسر عرفات. ولكن ما أدهشنا وقتها أن المقاومة الفلسطينية كانت تحارب إسرائيل تحت رايتين: راية فتح وعَلَم الجبهة الشعبية. لم نفهم وقتها لماذا كان الانقسام إذا كان العدو واحدًا والسبيل إلى تحرير فلسطين متماثلًا. ولكن لم يمضِ وقت حتى كثرت الحيرة، إلى الدرجة التى باتت فيها عبثية حينما انقسمت الجبهة الشعبية وخرجت منها «الجبهة الديمقراطية»، وبعد ذلك جاءت «الصاعقة»، وغيرها الكثير. كانت المزايدة بين الجميع سائدة، فالجميع يصف الجميع أيضًا بأنه يسعى إلى تصفية القضية أو أنه لعبة فى يد طرف دولى أو إقليمى أو قوى مجهولة متفرغة لتصفية القضية الفلسطينية.

ورغم كل الأسى من الفرقة الفلسطينية، فإن ظروف السبعينيات من القرن الماضى كانت مشجعة، حيث جرَت حرب أكتوبر فى جانبها العسكرى والآخر النفطى؛ وحملت القوة العربية ياسر عرفات إلى الأمم المتحدة لكى يلوح بغصن الزيتون والبندقية. الشخصية الدولية لمنظمة التحرير لم تحقق التجمع والوحدة حولها، الأكثر من ذلك أن المنظمة فى النهاية وقفت دومًا فى الجانب الخطأ من الحصول على الحقوق المشروعة. وقفت معارضة لمبادرة الرئيس السادات للسلام، وهو الذى طرح القضية أمام العالم والكنيست الإسرائيلى؛ وحينما قامت العراق باحتلال الكويت فإنها وقفت إلى جانب صدام حسين فى مواجهة التحالف العربى الدولى من أجل تحريرها. وفى كل أحوال التوترات السياسية والعسكرية التى جرَت بين الدول العربية وإيران وتركيا كانت الأغلبية فى النخبة السياسية الفلسطينية واقفة مع الجانب الآخر.

فى كل مراحل السعى نحو تحقيق هدف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، كانت هناك أولًا المزايدة المستمرة من قِبَل طرف فلسطينى على الآخرين؛ وثانيًا كانت هذه الأطراف جميعها متناقضة فى كل الأمور المتعلقة بالقضية سواء فى تحديد السياسة الخارجية أو تعريف الأمن القومى، ونجحت واحدة منها «حماس» فى تحقيق انفصال جغرافى بين الضفة الغربية وغزة بانقلاب على السلطة الوطنية. يوم حدث هذا كان النضال الوطنى الفلسطينى كله قد وصل إلى طريق مسدود لأنه لم يعد يجمع الفلسطينيين سوى كراهية إسرائيل والإسرائيليين، وما عدا ذلك كان الاختلاف فى كل شىء. وعلى ذات الطريق استطاعت إسرائيل أن تتوسع بالمستوطنات فى الضفة الغربية، وفى القدس، التى باتت عاصمة لدولة إسرائيل، وسط تأييد دولى متزايد.

 

 

الفلسطينيون الآن مدعوون إلى القيام بما قامت به كل دول العالم فى أوقات حرجة، وهو المراجعة لتاريخ النضال الوطنى الفلسطينى، ليس فقط من أول مذبحة ميونيخ، التى لطخت هذا النضال بالإرهاب، وإنما فيما قبل ذلك، حتى فى أوقات التكوين الأول لوجود إسرائيل، حيث كانت الحظوظ والأقدار متساوية. كان الفارق دائمًا بين الإسرائيليين والفلسطينيين هو أن الأولين عرفوا فكرة التدرج فى المطالب والحصول على الممكن منها، كما عرفوا أن ما حصلوا عليه كان يتحول إلى مؤسسات طويلة العمر عالية الأهداف، كما عرفوا فى الوقت المناسب ضرورة وحدة السلاح مع السياسة. عكس ذلك تمامًا كان ما سار عليه الفلسطينيون، حيث سيطرت عليهم العبارة والكلمة والمزايدة والمناقصة وفقدان الحلفاء أو ضعف تأييدهم. ما بقى لهم حقيقة تاريخية، وهى الرابطة العربية، التى لفلسطين فيها هوى، ولكن الهوى ليس كافيًا للتضحية بمصالح شعوب ومستقبل دول.

ولديهم أنفسهم حيث يقيمون فى الضفة الغربية وغزة، حيث لا دولة سوف تقوم ما لم تتم فيها وحدة السياسة والسلاح فى يد سلطة واحدة. ولديهم على الجانب الآخر من التل أولًا فلسطينيون آخرون باتوا يعرفون كيف يتعاملون مع إسرائيل؛ وإسرائيليون تتنامى مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية مع فلسطينيين فى الداخل، وعرب فى الخارج. وباختصار، لا ينبغى أن يكون لحماس وحركة الجهاد الفلسطينى حق الفيتو على القضية الفلسطينية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خمسون عامًا على مذبحة ميونيخ خمسون عامًا على مذبحة ميونيخ



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 16:52 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تحرم الأهلي من رامي ربيعة في مباراة الإسماعيلي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 15:27 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

التصميم المميز للزجاجة والروح الأنثوي سر الفخامة

GMT 08:49 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أليساندرو سارتوري يسرق الأنظار إلى "زينيا" بابتكاراته

GMT 12:55 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جزيرة منمبا في زنجبار تتمتع بمناظر طبيعية نادرة ورومانسية

GMT 04:30 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الإبلاغ عن العنف الجنسي يعصف بحياة السيدات في الهند

GMT 02:35 2017 الجمعة ,05 أيار / مايو

سيارة فيراري "275 غب" 1966 معروضة للبيع

GMT 05:29 2016 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين تفتتح أفخم فندق سبع نجوم بتكلفة 515 مليون دولار

GMT 02:01 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

5 خطوات مميّزة للحصول على درجة علمية عبر الإنترنت
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca