زيارة السيد بايدن

الدار البيضاء اليوم  -

زيارة السيد بايدن

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

 الليلة لا تشبه البارحة على وجه الإطلاق، وهناك بُعد بينهما كذلك الذى بين السماء والأرض. البارحة كان فيها ذلك المشهد للخروج الأمريكى من مطار كابول، وفيها بعض من مشاهد سابقة جرت فى فيتنام، عندما تعلق الجمهور الفيتنامى بأذيال الطائرات المغادرة للسفارة الأمريكية. ساعة الخروج الأمريكى من أفغانستان كان هناك زحام الأفغان أسفل الطائرات المسافرة، ومن حولها قصص الهروب للقادة والزعماء إلى عواصم أخرى. استسلم الجيش الأفغانى، ولم تمض أيام حتى كانت أعلام طالبان تخفق فى كل أرجاء المدينة، ومعها أوامر استعادة العصور الوسطى من جديد. كان الرئيس الأمريكى جوزيف بايدن يصدق فيما وعد به الناخبون قبل شهور أن الولايات المتحدة لن تدخل الحروب «الأبدية» مرة أخرى.

كان الأبد هذه المرة عشرين عاما، خرجت طالبان فى بدايتها وعادت فى نهايتها، ومع ذلك كان الرئيس الجديد مصمما على هداية العالم إلى كفاءة النظام الديمقراطى الذى كانت نتائجه جلية الإخفاق فى أفغانستان والعراق وتونس، وبعد فترة قصيرة بات الإخفاق كارثيا فى أوكرانيا.

فى بداية حكم الولاية الديمقراطية كانت النظرية بسيطة، وهى أن الخروج الأمريكى سوف يكون من الشرق الأوسط، لكنه سوف يكون بداية الدخول الواسع إلى آسيا الجديدة بأسواقها ونموها ونظامها الرأسمالى والديمقراطى، والذى يقف أمام الصين مباشرة فى معادلة عالمية جديدة. بشكل ما كان بايدن يسير على نفس التقاليد التى بدأ بها رؤساء أمريكيون منذ بداية القرن الواحد والعشرين، عندما كانت بداية الرئيس جورج بوش الابن هى أنه لن يفعل مثلما فعل سابقه كلينتون، لكنه فى العام الأخير من ولايته الثانية قرر العودة إلى الشرق الأوسط من خلال مفاوضات شاملة لحل الصراع العربى الإسرائيلى.

أوباما وجد أن التواجد الأمريكى فى الشرق الأوسط كان فى المكان الخاطئ، أى فى أفغانستان، بينما المكان الصحيح فهو ذلك الذى يوجد فى قلب الشرق الأوسط والعالم الإسلامى، وبعد عدة جولات انتابه ملل. وعندما حل ترامب كان منكرا للاهتمام بالشرق الأوسط، لكنه عاد بعد ذلك، ووجد أنه من الممكن استلاب بعض من الأموال وتغيير نتائج عقود من المفاوضات بتسليم إسرائيل كل ما تريده.

الدورة ذاتها جرت مع بايدن، وهو الذى بدأ بالإنكار للأهمية الاستراتيجية للمنطقة فى ظل الصعود الصينى، وأهمية المفاوضات مع إيران، والاعتقاد أن رفع صفة الإرهابية عن الجماعة الحوثية، وتأجيل التعاقدات العسكرية مع دول الخليج، وتجاهل الهجمات الإيرانية الحوثية على العواصم الخليجية، سوف تجعل الاتفاق مع طهران سهلا. المعضلة دائما هى أن العالم يتغير، وأن التفكير القديم كثيرا ما يحل فى واقع لم يعد كما كان، ورغم العلاقات الأمريكية الخليجية القديمة فإنه عندما عاد بايدن إلى الشرق الأوسط، وجد قناعة خليجية أن «التحالف» مع الولايات المتحدة أولا لم يكن له طريق واحد من واشنطن إلى الخليج، وإنما كان العكس أيضا بصفقات السلاح، والطاقة والتجارة، والتوافق فى المواقف الدولية، وفى الحرب ضد الإرهاب. وثانيا أن الخليج فى الحقيقة ونتيجة الإصلاح والاستقرار لم يعد كما كان، والسعودية والإمارات باتت دولا أكثر غنى وقوة إلى الدرجة التى عندما تكون رسالة واشنطن مهينة، فإنها قادرة على إغلاق التواصل دون رد لأن الحديث لا يستحق. وثالثا أن عمليات المراجعة للنظام الدولى الذى قام بعد انتهاء الحرب الباردة بدأ طريقا جديدا لا تكون فيه الصين طرفا مهما فقط، بل إن روسيا لم تعد هى الاتحاد السوفيتى الذى انهار. دخل العالم إلى جولة جديدة من الكراسى الموسيقية لا يعلم أحد إلى أين تنتهى مقاعدها، لكن المؤكد أنها لن تعيد الهيمنة الأمريكية على عالم العولمة كما كان من قبل. ورابعا تحول تركيز الولايات المتحدة نحو احتواء الصين، وردها غير الحاسم على هجمات الطائرات بدون طيار ضد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من قبل الميليشيات المتحالفة مع إيران، قوض الثقة فى التزاماتها الأمنية تجاه المنطقة. وأكثر من ذلك وصلت المفاوضات فى فيينا بشأن الاتفاق النووى الإيرانى إلى طريق مسدود منذ مارس، مما زاد من احتمالية تصاعد التوترات مع طهران.

زيارة الرئيس بايدن إلى المنطقة هى تتويج لعملية مراجعة للسياسة الأمريكية التى أتى بها الرئيس الأمريكى إلى البيت الأبيض. ويبدو أن التفكير ذهب إلى ما ظنه ترامب أن إسرائيل هى مفتاح المنطقة، ومن ثم فإن تصور «الزيارة» كان الذهاب إلى القدس ثم دعوة قادة المنطقة إلى الأرض الموعودة للجميع للقاء مع الرئيس. كان طبيعيا انهيار هذا التصور، وأن فهما أفضل للمنطقة لا بد منه، وذهب محللون إلى أن الرحلة المزمعة إلى الشرق الأوسط ستشهده يدفع لإعادة بناء الثقة فى شراكة واشنطن طويلة الأمد فى مجال الأمن من أجل الطاقة مع حلفائها الإقليميين فى الوقت الذى يسعى فيه إلى تبديد اللغط بشأن فك الارتباط الأمريكى مع دول المنطقة. واستعدادًا لرحلة الرئيس الأولى منذ توليه منصبه، سعى البيت الأبيض إلى تسليط الضوء على الدور الذى لعبته الولايات المتحدة فى الدفاع عن إسرائيل ودول الخليج العربية من إيران.

مسار الزيارة أخذ طريقا مختلفا، حيث تبدأ بزيارة إسرائيل المهمة للظروف الداخلية الأمريكية، ومن بعدها زيارة رام الله المهمة لأطراف عربية، مع تطويع الجانبين بخلق صيغة لتأييد إسرائيل فيما يتعلق بعلاقاتها مع السعودية، وتأييد السلطة الوطنية الفلسطينية بشكل ما من التمثيل القنصلى الأمريكى فى القدس. المحطة الاستراتيجية بعد ذلك سوف تكون فى جدة، حيث توجد القضايا الكبرى للطاقة، والأمن الإقليمى بتغيير جوهرى للتوازن الاستراتيجى مع إيران. لاحظ هنا أن هناك حربا خفية تجرى فى المنطقة، بعضها يجرى داخل إيران نفسها تجاه العلماء والمشاركين فى البرنامج النووى الإيرانى بدس السم والقتل المباشر، وبعضها الآخر يجرى بصراحة فى سوريا ولبنان، ومؤخرا العراق بهجمات جوية لتقليم الأظافر الإقليمية الإيرانية. وعندما تنعقد قمة جدة سوف يكون حاضرا مع الولايات المتحدة السعودية والإمارات وقطر والبحرين والكويت وعمان ومصر والأردن والعراق. تسع دول عربية فى لقاء استراتيجى من الطراز الأول، سوف تأتى له الولايات المتحدة بتصور فى قلبه حل مشكلة الطاقة العالمية، حيث الخليج وحده لديه فائض لتعويض النفط والغاز الروسى، ومركزه الاستراتيجى إيران، وقريبا منها توجد إسرائيل التى تقوم بدور نشط من أجل مد السلام الإبراهيمى إلى حيث يمكن المد.

الدول العربية لابد لها أن يكون لها مشروع مقابل للطاقة والأمن الإقليمى والتعامل مع إيران، ووضع القضية الفلسطينية، والسلام والاستقرار والإصلاح فى المنطقة. حتى الآن توجد مبادرات ومشروعات متفرقة بدأت حول الغاز فى شرق المتوسط، وبيان «العلا» الذى مهد الطريق إلى نهاية المنازعات مع قطر، والحديث مع إيران، والتفاوض مع تركيا، والآن ربما آن الأوان لقمة سابقة لقمة جدة تكفل طرحا عربيا لا يواجه بالضرورة الطرح الأمريكى، وإنما يضعه على المسار الصحيح.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زيارة السيد بايدن زيارة السيد بايدن



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:59 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 02:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

قطار ينهي حياة شيخ ثمانيني في سيدي العايدي

GMT 10:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

"خلطات فيتامين سي" لشعر جذاب بلا مشاكل

GMT 13:54 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

نصائح مهمة لتجنب الأخطاء عند غسل الشعر

GMT 13:08 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام فعاليات "ملتقى الشبحة الشبابي الأول " في أملج

GMT 16:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

كمبوديا تستخدم الجرذان في البحث عن الألغام

GMT 04:44 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميم مجمع مباني "سيوون سانغا" في عاصمة كوريا الجنوبية

GMT 06:28 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

خبير إتيكيت يقدم نصائحه لرحله ممتعة إلى عالم ديزني

GMT 12:22 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 7 على الأقل في قصف جوي ومدفعي على حي الفردوس في حلب

GMT 04:48 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمير الوليد بن طلال يؤكد بيع أسهمه في "فوكس 21"

GMT 22:13 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

منتخب غانا يهزم نظيره المصري في بطولة الهوكي للسيدات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca