قانون الوجود

الدار البيضاء اليوم  -

قانون الوجود

مي عزام
بقلم : مي عزام

(1)

نعتاد النعم، حتى لا نشعر بوجودها، ولا يجول بخاطرنا كيف سيكون حالنا دونها. أن تستيقظ كل يوم من فراشك، وتقف على قدميك، متمتعًا بحواسك الخمس، قادرًا على تحريك لسانك وجسدك وأطرافك كيفما شئت، لهى نعمة كبيرة لا يدركها إلا محروم. يَمُنّ الله على عباده بالعديد من المنح، ويختبرهم بالمحن، وكلاهما فيه خير كثير.

(2)

يوم السبت 4 يوليو الحالى، تعرضت لحادث مؤلم وغير متوقَّع، في السادسة صباحًا خرجت كعادتى لممارسة رياضة المشى في الشوارع الهادئة المحيطة بمسكنى. بعد مضى نصف الساعة، فوجئت بمجموعة من كلاب الشارع، التي أعرفها وتعرفنى بحكم التريض في نفس المسار كل يوم تقريبًا، تهاجمنى بنباحها، وتتجمع حولى، وكأنها تهم بالانقضاض علىَّ، لوهلة ارتبكت وشعرت بالخوف ورجعت خطوة إلى الوراء. لم تكن خطوة موفقة، سقطت على ظهرى، وشعرت بألم شديد في عمودى الفقرى ورسغ يدى اليسرى، وألم أقل في اليمنى. كل ذلك لم تتجاوز مدته دقيقتين مرتا وكأنهما ساعتان. أسرع عدد من سكان المنطقة الذين يعرفوننى بحكم الاعتياد لنجدتى ومساعدتى على النهوض.

(3)

حادث عارض لم يخطر يومًا على بالى، قلب حياتى رأسًا على عقب. في المستشفى أظهرت الأشعة كسرًا في إحدى فقرات العمود الفقرى وكسرًا في رسغ اليد اليسرى وتمزقًا في أربطة اليمنى. أبسط الحركات التي كنت أقوم بها بتلقائية ودون تفكير أصبحت مهام مستحيلة.

حالى الآن باختصار: يدى اليمنى تعافت، واليسرى في الجبس، والحزام الطبى يلازمنى ليل نهار. أستطيع، بفضل الله، متابعة الأحداث والمشاركة والتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعى، بِتُّ قادرة على الكتابة من الموبايل، باستخدام الإبهام، فأنا عاجزة تمامًا عن الكتابة على اللاب توب.

(4)

لست الأولى، ولن أكون الأخيرة التي تتعرض لحادث كان من الممكن تداركه لو لم يتملَّكنى الخوف ويغيب معه العقل والمنطق، وتتغلب الهواجس والمخاوف، في مرات سابقة تعرضت لمواقف مشابهة، لكن رد فعلى كان مختلفًا، كنت أواجه الكلب الذي ينبح نحوى بوقفة حازمة، وآمره بالابتعاد، ثوانٍ، ويمتثل الحيوان للأمر ويبتعد. وهنا تحضرنى قصة يوسف إدريس «أنا سلطان قانون الوجود»، التي يسرد فيها واقعة حقيقية حدثت لمدرب الأسود الشهير، في السيرك القومى، محمد الحلو، حين انْقَضَّ عليه الأسد «سلطان»، بعد أن أنهى عرضه، واستدار ليُحَيِّى جمهوره، وفسر «إدريس» الأمر بأن «سلطان» شعر لوهلة بخوف مدربه، فهاجمه معلنًا عن قانون الوجود، وهو سيادة القوة وهزيمة الضعيف. ما يحدث بين الحيوان والإنسان ليس بعيدًا عما يحدث بين الناس والدول، ما إن يشعر مَن يتربص بك بخوفك حتى يهاجمك بضراوة وينْقَضَّ عليك دون رحمة، ولو شعر بالعكس يتراجع.

(5)

الحيوان حين يدرك ضعفك يهاجمك، ولكن أيضًا حين تهاجمه يهاجمك، ردود فعل معروفة، الإنسان الكائن الوحيد الذي لا يمكن توقع ردود أفعاله بحسم، فهى محكومة بعوامل عدة متداخلة: الحالة النفسية والمزاجية والجسدية. العالم كله يتعرض لتجربة صعبة: جائحة كورونا، لكن تتباين ردود أفعال الشعوب طبقًا لإدارتها وما اعتادت عليه من ردود أفعال. مصر تواجه، بالإضافة إلى ذلك، تحديات من الغرب والشرق ومنبع النيل، لكن مَن يعيش دون تحديات؟!! التحديات جزء من الحياة، وهى التي تُظهر معدنك الحقيقى وقدرتك على حسن التصرف تحت الضغوط، المحن يمكن أن تتحول إلى منح تقويك ولا تهزمك.

(6)

حياتنا محكومة ببدايات ونهايات متعاقبة ومتواصلة تحددها قوانين الحياة، وعلمنا محدود بحدود قدراتنا على الاستيعاب والاستنتاج، وفكرنا ينتقل بنا بين الماضى والحاضر والمستقبل بلا توقف، حتى إننا لا نعرف الحدود بينها، وفى وسط هذه الدوائر تظل للمرات الأولى وقع مختلف: أول حب، أول وظيفة، أول حذاء بكعب عالٍ، أول مرة ترى دماءك تسيل.

وهذه أول مرة أستقبل فيها عيد الأضحى المبارك وأنا سجينة الفراش، سيفوتنى بعض طقوس العيد التي اعتدت عليها، لكن فرحتى به لم تُمَسّ، بل زاد عليها شعور بالسكينة والرضا بقضاء الله، وهو شعور مؤنس، حين يغيب نشعر بالوحدة والوحشة ويقتلنا القلق والتوتر.

الله أكبر كبيرًا

والحمد لله كثيرًا

وسبحان الله بكرة وأصيلًا

كل عام ومصر بخير وشعبها في أمان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قانون الوجود قانون الوجود



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:59 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 02:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

قطار ينهي حياة شيخ ثمانيني في سيدي العايدي

GMT 10:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

"خلطات فيتامين سي" لشعر جذاب بلا مشاكل

GMT 13:54 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

نصائح مهمة لتجنب الأخطاء عند غسل الشعر

GMT 13:08 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام فعاليات "ملتقى الشبحة الشبابي الأول " في أملج

GMT 16:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

كمبوديا تستخدم الجرذان في البحث عن الألغام

GMT 04:44 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميم مجمع مباني "سيوون سانغا" في عاصمة كوريا الجنوبية

GMT 06:28 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

خبير إتيكيت يقدم نصائحه لرحله ممتعة إلى عالم ديزني

GMT 12:22 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 7 على الأقل في قصف جوي ومدفعي على حي الفردوس في حلب

GMT 04:48 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمير الوليد بن طلال يؤكد بيع أسهمه في "فوكس 21"

GMT 22:13 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

منتخب غانا يهزم نظيره المصري في بطولة الهوكي للسيدات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca