نصف خبر لا يستقبله العقل ولا يصدقه!

الدار البيضاء اليوم  -

نصف خبر لا يستقبله العقل ولا يصدقه

سليمان جودة
بقلم - سليمان جودة

أصدق نصف الخبر الذي نشرته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن احتفال الاتفاقيات الإبراهيمية، ولكني لا أصدق نصفه الآخر!
الخبر يقول إن احتفالاً إسرائيلياً كانت الحكومة في تل أبيب ترتب لأن يقام في 12 من الشهر المقبل، وإن مناسبة الاحتفال كانت مرور عامين في هذا التاريخ على اتفاقيات السلام الإبراهيمي، التي وقّعتها إسرائيل مع أربع دول عربية آخر أيام الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، لولا أن الاحتفال جرى إلغاؤه في اللحظة الأخيرة، لأن ممثلي الدول الأربع اعتذروا عن عدم الحضور.
هذا هو النصف الذي أصدقه، لأن احتفالاً كان مقرراً بالفعل، ولأن ممثلي الدول الأربع التي وقّعت الاتفاقيات اعتذروا بالفعل أيضاً.
وأما النصف الآخر فهو حديث الصحيفة الإسرائيلية نقلاً عن مسؤول في الدولة العبرية، عن أن سبب الاعتذار هو خشية ممثلي الدول الأربع من أن يبدو حضورهم كأنه تدخل من جانبهم، أو من جانب الدول التي يمثلونها، في حملة الانتخابات البرلمانية التي ستجري في إسرائيل في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
كلنا بالطبع يعرف أن الدول الأربع التي وقّعت الاتفاقيات في السنة قبل الماضية هي الإمارات، والبحرين، والسودان، والمغرب، وأن عملية إطلاق العلاقات الدبلوماسية بينها وبين إسرائيل في إطار ما سُميت الاتفاقيات الإبراهيمية، كان الهدف من ورائها أن تقوم علاقات يغلب عليها الطابع الاقتصادي بين الطرفين، وكان هناك هدف آخر هو أن يسود سلام بين الطرف الثاني في الاتفاقيات وبين الفلسطينيين.
فلم تكن هناك مشكلة في أي وقت بين أي من الدول الأربع وبين إسرائيل، ولا حدود مباشرة تربط أصلاً بين الطرفين لتنشأ بينهما مشكلة، ولكن المشكلة كانت دائماً فيما بين تل أبيب وبين الفلسطينيين، وكانت في مدى رغبتها في أن يقوم سلام بينهما ذات يوم.
ولا تزال القضية الفلسطينية تمثل التزاماً عربياً لدى عواصم العرب جميعاً، ومن بينها طبعاً أبوظبي، والمنامة، والخرطوم، والرباط، التي لما دخلت جميعها مع تل أبيب في اتفاقيات صارت معروفة باتفاقيات السلام الإبراهيمي، كان هناك شق في الاتفاقيات يتحدث عن هذا الالتزام، ثم يدعو الإسرائيليين إلى أن يكونوا أكثر جدية في التعامل مع قضية طال انتظارها فلسطينياً، بمثل ما طال التسويف فيها إسرائيلياً وطالت المماطلة.
وليس هناك شك في أن كل عاصمة من العواصم الأربع ذهبت إلى الاتفاقيات وهي تراهن على أن وضع هذه القضية من جانب إسرائيل سيختلف بعد الاتفاقيات عنه قبلها، وستعمل الحكومة الإسرائيلية على أن تكون الاتفاقيات ذات مضمون في وجهها الفلسطيني بالذات. ليس هناك شك في ذلك، لأن لفظة السلام في مسمى الاتفاقيات قد تقصد سلاماً بين العرب والإسرائيليين في العموم، ولكنه سلام لن يكون له عائد على الأرض في المدى البعيد، ولا حتى في المدى القريب، ما لم يكن سلاماً يضع حلاً عادلاً لقضية فلسطين.
ولا يمكن القول بأن اعتذار ممثلي الدول الأربع سببه عدم رغبتهم في أن يبدو حضورهم تدخلاً في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية التي تدق الباب!
لا يمكن القول بذلك لأن حكومة يائير لبيد التي ستجري الانتخابات في وجودها، ليست هي التي وقّعت الاتفاقيات الإبراهيمية، ولا حتى حكومة نفتالي بنيت السابقة عليها، ولكن الحكومة التي وقّعت هي حكومة بنيامين نتنياهو، الذي يجلس حالياً في مقاعد المعارضة.
وقد كان من الممكن أن يكون حضور ممثلي الدول الأربع تدخلاً في الحملة الانتخابية، لو كان نتنياهو لا يزال يجلس في مقاعد الحكم، وبما إن هذا غير حاصل، فالكلام عن غياب الممثلين الأربعة خشية أن يكون حضورهم نوعاً من التدخل، هو في الحقيقة كلام لا محل له من الإعراب، وهو تصوير للأمر على غير حقيقته الماثلة أمام الجميع على الأرض.
اعتذار العواصم الأربع عن عدم الحضور له سبب آخر في الغالب، وهذا السبب هو أن التقييم الأخير لحصيلة العامين لا يقول بجدية إسرائيل في الذهاب إلى السلام الذي تتحدث عنه الاتفاقيات مع الفلسطينيين، ويقول أيضاً إن تل أبيب أخذت من الاتفاقيات جانبها الاقتصادي ومضت فيه إلى خطوات بعيدة، ثم نسيت أنه لا بد من وجه سياسي في المقابل تتعامل فيه بالجدية الواجبة مع الطرف الفلسطيني، وإلا فإن الاتفاقيات ستظل كمن يمشي على ساق واحدة!
وليس في الاعتذار شبهة تراجع عن الاتفاقيات من جانب طرفها الأول، ولكنه فيما يبدو رغبة في لفت انتباه الإسرائيليين إلى أن الوجه السياسي للاتفاقيات الإبراهيمية لا يتحرك بالوتيرة نفسها التي يتحرك بها وجهها الاقتصادي، وأن الوجهين إذا لم يتساويا في حيوية الحركة، وفي قطع خطوات عملية للأمام، فالوجه الاقتصادي يمكن أن يكون مهدداً، ويمكن أن يواجه عثرات هو في غنى عن أن يواجهها.
ومما زاد من الحرج في الموضوع أن الرئيس الأميركي جو بايدن لم يحمل شيئاً إلى القضية حين زار تل أبيب ومن بعدها الضفة في الشهر الماضي، فكل ما كان يحمله بعض المساعدات ذات الطابع الإنساني، مع بعض الأمنيات بمستقبل أفضل للفلسطينيين!
وحتى عندما وقّع «إعلان القدس» في أثناء زيارته لإسرائيل، بدا الإعلان من اسمه كأنه يتعامل مع القضية، أو كأن موضوعه هو ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولم يكن هذا صحيحاً على أي صورة، لأن هواجس الدولة العبرية ومخاوفها من البرنامج النووي الإيراني كانت هي موضوعه ومضمونه.
ورغم حديث إدارة بايدن قبل زيارته عن رغبة سيد البيت الأبيض في توسيع نطاق الاتفاقيات الإبراهيمية خلال الزيارة، فإنه انحاز منذ اللحظة الأولى لزيارته إلى الطرف الإسرائيلي، وبدا خالي اليدين من أي شيء يقدمه لمبدأ حل الدولتين.
وقد غادر بعد زيارته ذات المحطات الثلاث، بينما قطار السلام الإبراهيمي واقف في مكانه لا يتلقى أي دفعة تحركه، ولو خطوة واحدة إلى عاصمة أخرى بخلاف العواصم الأربع.
ولم يكن من الوارد أن يقام الاحتفال الذي رتبت له حكومة لبيد، بينما هذا هو الحال بعد زيارة بايدن الخالية من شيء تقدمه إدارته للقضية، وبينما الحرب الإسرائيلية الأخيرة على بعض الفصائل في قطاع غزة تضرب المدنيين من دون أن تبالي.
ولو أُقيم الاحتفال في موعده لكان احتفالاً في غير وقته، ولكان قد انعقد ولسان حاله يقول ما لا تحب أن تسمعه تل أبيب عن سلام ارتبط بالاتفاقيات الإبراهيمية وارتبطت هي به، ثم لم يجد في الواقع ما يمنحه الطاقة على أن يقوم من مكانه ويستأنف المسير!
وقد جاءت الحملة الانتخابية لتكون هي العذر الظاهر الذي لا يخلو من وجاهة، ولكنه ليس العذر الحقيقي لمن يتتبع خطوات القطار منذ انطلاقه قبل عامين، فلقد توقف في محطاته الأربع من دون أن يكون قادراً على مغادرتها إلى محطة خامسة، ولن يكون قادراً على ذلك مستقبلاً في الغالب، ما لم تنتبه إسرائيل إلى أن الاتفاقيات التي انعقدت والاتفاقيات التي يمكن أن تنعقد في وقت لاحق لها ثمن لا بد أن تدفعه.
فإذا رجعت أنت إلى أول هذه السطور، فسوف ترى أن النصف الأول في الخبر الذي نشرته الصحيفة الإسرائيلية يستقبله العقل ويستوعبه، بينما نصفه الآخر لا يستقبله العقل ولا يصدقه!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نصف خبر لا يستقبله العقل ولا يصدقه نصف خبر لا يستقبله العقل ولا يصدقه



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:59 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 02:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

قطار ينهي حياة شيخ ثمانيني في سيدي العايدي

GMT 10:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

"خلطات فيتامين سي" لشعر جذاب بلا مشاكل

GMT 13:54 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

نصائح مهمة لتجنب الأخطاء عند غسل الشعر

GMT 13:08 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام فعاليات "ملتقى الشبحة الشبابي الأول " في أملج

GMT 16:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

كمبوديا تستخدم الجرذان في البحث عن الألغام

GMT 04:44 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميم مجمع مباني "سيوون سانغا" في عاصمة كوريا الجنوبية

GMT 06:28 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

خبير إتيكيت يقدم نصائحه لرحله ممتعة إلى عالم ديزني

GMT 12:22 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 7 على الأقل في قصف جوي ومدفعي على حي الفردوس في حلب

GMT 04:48 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمير الوليد بن طلال يؤكد بيع أسهمه في "فوكس 21"

GMT 22:13 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

منتخب غانا يهزم نظيره المصري في بطولة الهوكي للسيدات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca