بقلم - سليمان جودة
نشر موقع «القاهرة ٢٤» خبرًا يقول إن الحكومة تفكر فى نقل الإذاعة والتليفزيون من مبنى ماسبيرو على النيل إلى برج فى العاصمة الإدارية!.
إذا صح الخبر، والغالب أنه صحيح، فإننى أرجو الحكومة أن تتوقف عن التفكير فى هذا الاتجاه.. أرجوها.. وسوف يكون إقلاعها عن الفكرة لصالحها هى كحكومة بنسبة مائة فى المائة أولًا، ولصالح هذا الشعب الذى عاش يعرف ماسبيرو مقرًّا للإذاعة والتليفزيون، ولا يعرف سواه ثانيًا!.
إننى أخشى أن يكون الموضوع لدى صانع القرار قد انتقل من مرحلة التفكير فى الأمر إلى مرحلة إقراره فعلًا، ولو كان هذا قد حدث، فإننى أدعو صاحب القرار إلى إعادة النظر فى قراره، ثم إلى التراجع عنه حتى لا يأتى يوم نندم فيه جميعًا على قرار من هذا النوع!.
ولا بد أنه مما يدعو إلى الأسى أن تمتد يد التطوير إلى مثلث ماسبيرو، ثم يقف مبنى ماسبيرو نفسه فى زاوية من المثلث ينعى حاله، ويتمنى لو أدركنا أبعاد تاريخه الذى يجلس عليه!.
ماسبيرو ليس مجرد مبنى، ولا هو مجرد جدران من الحجر والحديد، ولا مجرد أرض يرتفع فوقها المبنى وهو يعانق النهر الخالد.. ماسبيرو ليس هذا كله ولن يكون لأن على يمينه ويساره الكثير من المبانى والأبراج التى ينطبق عليها ما لا ينطبق أبدًا على هذا المبنى العريق!.
هل يعرف أصحاب القرار أن قنوات فضائية أجنبية كثيرة تتسابق على حجز غرفة واحدة بالقرب من ماسبيرو، وأن طلبها الوحيد وهى تتسابق أن يكون النيل خلفية فى الاستديو؟!.. وهل يعرف أصحاب القرار أن هذه القنوات تدفع الكثير جدًّا فى أى موقع يطل على النهر؟!.. وهل يعرف أصحاب القرار أن الاستديو الذى يظهر النهر فى خلفيته ليس كأى استديو فى أى مكان، وأن المذيع الذى يظهر فى هذه القنوات وخلفه نهر النيل يبدو وكأنه حاز الدنيا كلها فى يديه؟!.
هل نأتى نحن بعد هذا كله لنفرط فى مبنى طويل عريض يطل بكامله على النهر؟!.. ماسبيرو تاريخ ممتد، وقيمة باقية، ورائحة ترتبط بالمكان.. وسوف يتبدد التاريخ، والقيمة، والرائحة معًا، لو ارتكبنا خطأ نقله إلى موضع آخر، حتى ولو كان هذا الموضع هو أعلى برج على ظهر الأرض!.
الناس حولنا فى المنطقة يشترون تاريخًا لهم بالفلوس، ثم يسمونه تاريخًا رغم أنهم يعرفون ونعرف أنه تاريخ مُشترَى ومصنوع.. ونحن عندنا التاريخ جاهز، وطبيعى، ولا تساويه كنوز الدنيا، فلا تفرطوا فيه!.. لا تفرطوا فى ماسبيرو لأنه أغلى جدًّا من أن يُباع