الكويت التي تترقب!

الدار البيضاء اليوم  -

الكويت التي تترقب

سليمان جودة
سليمان جودة

أول ما يلفت الانتباه في مجلس الأمة الكويتي الجديد، أنه التشكيل البرلماني الأول في عهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، أمير البلاد، الذي تولى الأمر قبل شهرين ونصف الشهر، خلفاً للراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح!

فهل كان هذا هو السبب في التغيير الكبير الذي طرأ على تشكيلة البرلمان، بعد أن جرت انتخاباته في الخامس من هذا الشهر؟! أظن أن هذا هو الأقرب إلى العقل، وأن هذا هو الأدنى إلى المنطق المتماسك، لأن كل عهد جديد يأتي معه في الغالب بالكثير من الآمال العريضة، يستشعر معها المواطن أنه انتقل من عهد إلى عهد، وأنه غادر مرحلة إلى أخرى!

فإذا كان البرلمان الذي نتحدث عنه برلماناً حياً، من نوع برلمان الكويت في شتى مراحله، فإن الآمال في العادة يعلو سقفها في السماء، كما أن الطموحات تصل إلى أعلى فضاء!

ولكن الشيء الذي يلفت الانتباه أيضاً أن نسبة التصويت تجاوزت الستين في المائة، وهذه تظل في التقييم الأخير نسبة عالية، وهذه كذلك نسبة تقول إن الطموحات كانت فاعلة، وإن الآمال كانت حاكمة، وإن ذلك كله قد دفع الناخبين إلى الاصطفاف في طوابير أمام اللجان!

ثم يلفت الانتباه للمرة الثالثة أن نصيب تنظيم «الإخوان» في البرلمان الجديد لم يتجاوز ثلاثة نواب من بين خمسين نائباً، هم مجمل أعضاء المجلس!
لقد هبّت رياح «الربيع العربي» قبل عشر سنوات فجعلت أحلام الحكم تراود التنظيم الأم في القاهرة بقوة، ثم راحت تراود فروعه في عواصم مختلفة من عواصم العرب، ولو بدرجات متفاوتة من القوة. ولكن لأنها لم تكن أحلاماً مستندة إلى أساس ولا كانت تقف على أرضية مستقرة تضمن لها التحقق والدوام، فإنها سرعان ما تلاشت أمام أول اختبار!
وفيما بعد تجربة الجماعة مع الحكم في القاهرة، وهي تجربة لم تستمر أكثر من عام واحد، فإن الجماعة لم تدخل انتخابات في أي عاصمة عربية، إلا وكان حظها من المقاعد في البرلمان دون العشرة في المائة. حدث هذا في انتخابات مجلس النواب الليبي الحالي، ومن بعده في مجلس النواب الأردني الذي جرت انتخاباته مؤخراً، ثم جاءت انتخابات مجلس الأمة الكويتي لتكشف عن الحصة نفسها، التي تشير فيما تشير إلى حجم الوجود الحقيقي لتيار الإسلام السياسي بين الناس!

لم يذكر أحد في الكويت شيئاً عن تزوير للأصوات يمكن أن يكون قد جرى في أيٍّ من دوائرها الانتخابية الخمس، ولا تكلم أحد ممن راقبوا العملية الانتخابية هناك وتابعوها عن شيء من التزييف يكون قد جرى لإرادة الناخب، ولذلك فالمعنى في خلو المجلس الجديد من المرأة ومن التيار السلفي رغم محاولات مستميتة منه لا تخطئها العين، أن هذه حصيلة تعبر عن إرادة الناخبين في المقام الأول!

وحين خلا المجلس من التيار السلفي، ثم بلغ حظ نواب الشيعة فيه ضِعف حظ «الإخوان»، فإن ذلك كان بالدرجة نفسها تعبيراً عن إرادة حية للناخب الذي أراد أن يكون برلمانُ عام الوباء برلماناً ليس ككثير من البرلمانات التي سبقت، فأثارت الصخب في علاقتها بالحكومات التي تعاقبت، وربما نذكر هنا أن النواب الشيعة الستة كانوا 17 نائباً في برلمان سابق!

مؤسف بالطبع أن نتكلم عن نائب شيعي وعن نائب سُني في المقابل سواء كان ذلك في الكويت أو في غيرها. مؤسف لأنني أفترض دوماً أن الولاء هو للوطن لا للطائفة بأي حال، فالوطن هو الأبقى على الدوام، وهو المظلة الباقية التي يستظل بها الجميع بوصفهم مواطنين لهم ذات الحقوق وعليهم نفس الواجبات!

إلى هذه اللحظة لا نزال نتحدث عن الشكل في البرلمان الجديد، وبالطبع عن شيء من المضمون، لأن الشكل هو في كل الحالات جزء لا ينفصل عن الموضوع!
نتكلم في كل ما سبق عن الشكل، وعن جزء معه من المضمون، لأن العبرة في المجلس الذي تَشكّل بالكاد هي بقدرته على ممارسة دوره النيابي، من حيث مهمته في مراقبة أعمال الحكومة، ثم من حيث مهمته في تشريع القوانين للناس!

من أجل هذين الوظيفتين على وجه التحديد، نشأت البرلمانات في العالم، ومن أجلهما كان في كل دولة برلمان يراقب ويشرِّع... ولا شيء آخر!
وليس هناك خلاف على أدوات الرقابة البرلمانية التي تعرفها برلمانات الأرض، بدءاً من السؤال البرلماني الذي هو أخفّها من حيث القدرة على محاصرة المسؤول الحكومي، ومروراً بطلب الإحاطة البرلماني، الذي يقع في المنطقة الوسط، بين السؤال من ناحية، وبين الاستجواب من ناحية أخرى، فالأخير هو ذروة الأدوات في ممارسة الرقابة على أعمال الحكومة!
لا خلاف على ذلك تقريباً، ولكن الخلاف كله هو على الطريقة التي يجري بها توظيف الاستجواب في ممارسة الرقابة البرلمانية، والخلاف هو على مدى استعداد النائب في البرلمان لأن يكون استجوابه في اتجاه الصالح العام بالفعل وليس في اتجاه ممارسة نوع من الكيد السياسي للحكومة فتتعطل مصالح الناس ولا يكون البرلمان عند حُسن ظن الناخب الذي جاء به إلى النور!
القصة هي هكذا، لأن وقتاً جاء على الكويت على مدى ما يقرب من العقد الكامل مضى، تحول فيه الاستجواب من أداة لممارسة الرقابة على أعمال الحكومة إلى هدف في حد ذاته، فتحولت معه العلاقة بين الحكومة والبرلمان إلى ما يشبه اللعبة الشهيرة بين القط والفأر، وكان التربص هو سيد الموقف على المستوى البرلماني، ثم كان التخوف هو سيد الموقف على المستوى الحكومي!

وقد أدى ذلك إلى ضياع كثير من الوقت، وتبديد كثير من الجهد على المستويين معاً، ولماذا لا يضيع الوقت ويتبدد الجهد وقد شهد استخدام الاستجواب كأداة للرقابة البرلمانية إسرافاً، كان كل مراقب للشأن العام الكويتي يلاحظه؟!

والسؤال هو: هل يتبدل هذا الحال مع مجيء برلمان جديد؟! ربما... ولكن الشيء الذي يدعو إلى التمهل في الحكم أن 31 نائباً من النواب الخمسين إنما يدخلون مجلس الأمة لأول مرة، وسوف يعملون في غالبيتهم بالتالي حسب نظرية الخطأ والتجربة. إنهم من حيث العدد يمثلون الغالبية بين النواب، وهذا ما سوف يجعل الحكم على الأداء العام للمجلس في انتظار الأداء الذي سيكون على مستوى كل واحد فيهم!

التغيير الذي طرأ في الشكل، وفي جزء أكبر من المضمون، يجعل الكويت تترقب أداءً برلمانياً من نوع آخر، كما يجعلها وهي تستقبل البرلمان الجديد، وتتهيأ لاستقبال حكومة جديدة من بعده، تراهن على قدرة الحكومة والبرلمان على نسج علاقة بينهما من نوع مختلف. إنها العلاقة التي تعطي الحكومة مساحة من القدرة على العمل، بقدر ما تمنح البرلمان فرصة الرقابة والتشريع!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكويت التي تترقب الكويت التي تترقب



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 16:52 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تحرم الأهلي من رامي ربيعة في مباراة الإسماعيلي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 15:27 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

التصميم المميز للزجاجة والروح الأنثوي سر الفخامة

GMT 08:49 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أليساندرو سارتوري يسرق الأنظار إلى "زينيا" بابتكاراته

GMT 12:55 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جزيرة منمبا في زنجبار تتمتع بمناظر طبيعية نادرة ورومانسية

GMT 04:30 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الإبلاغ عن العنف الجنسي يعصف بحياة السيدات في الهند
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca