«القرض الحسن» أفلس لبنان!

الدار البيضاء اليوم  -

«القرض الحسن» أفلس لبنان

هدى الحسيني
هدى الحسيني

على الرغم من كل تفسيرات وتبريرات الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، فإن «القرض الحسن» مثال صارخ على كيفية إدارة «حزب الله» لدولته داخل دولة لبنان، وأي شك في أنه يفعل ذلك منذ تأسيسه كحزب تم القضاء عليه بالهجوم على «القرض الحسن» الذي أثبت أن سلوك «حزب الله» المالي منفصل تماماً ومخالف لجميع القوانين والأنظمة اللبنانية الشرعية. وعلى الرغم من أن «حزب الله» أسّسته إيران قبل 40 عاماً، فإن جمعية «القرض الحسن» لم تتصدر عناوين الصحف إلا منذ نحو ثلاثة أسابيع.

ونقلت جميع الصحف المعلومات التي سرّبتها مجموعة مجهولة من القراصنة عن «القرض الحسن»، تُثبت ما يعرفه الجميع في لبنان منذ فترة طويلة: «القرض الحسن» ليس الجمعية الخيرية كما يدّعي الحزب، بل هو بنك «حزب الله» الخاص، ويدار من الحزب بنسبة 100%، وبدلاً من خدمة عملائه الشيعة، فإنه يستثمر أموالهم ويحقق بالتالي أرباحاً بمئات الملايين من الدولارات. والحزب بذلك لا يهتم بالشعب اللبناني، إذ بدلاً من ذلك يُضعف ويُقوّض النظام المالي اللبناني. ورغم أن بيانات الـ«أكسيل» المسرّبة بالتفاصيل والأسماء تحكي قصة «القرض الحسن»، فإنها أيضاً تحكي قصة لبنان بأسره.

إن الأشخاص الذين تابعوا المنشورات عن كثب، وخطوط البيانات الطويلة والأرقام التي لا نهاية لها، يعرفون أن الهجوم على «القرض الحسن» كان أعمق بكثير مما اعترفت به «الجمعية» علناً، وحاول نصر الله دعمها في خطابه الأسبوع الماضي. لقد تمكنت مجموعة «الهاكرز» من تحديد مواقع المخازن المحمية التي يخّزن فيها «حزب الله» الذهب والمال لعملاء الجمعية الشيعة. لم يتم الكشف عن الموقع فحسب، بل تم أيضاً تخزين الاحتياطيات الكبيرة هناك، وهي تشمل ما يقرب من 200 مليون دولار نقداً، و150 مليار ليرة لبنانية، وما قيمته نصف مليار دولار من الذهب.

يمتلك «القرض الحسن» ملايين الدولارات ويديرها لصالح «حزب الله» وشركائه لكنه يقدم قروضاً بقيمة 5 آلاف دولار فقط للشيعة، مع معدلات فائدة وآليات تزيد من أقساط سداد القروض إلى مبالغ يستحيل على المقترض سدادها. يقدم «القرض الحسن» مثالاً على كيفية محاولة «حزب الله» تقديم نفسه على أنه المدافع عن المجتمع الشيعي، بينما يفعل العكس تماماً. إنه بمثابة مصدر ربح مهم لـ«حزب الله»؛ إذ يجمع الثروة على حساب عملائه الأكثر احتياجاً.

واصلت مجموعة «الهاكرز» خلال الأيام القليلة الماضية نشر معلومات حول حسابات أعضاء «حزب الله» ونشطائه وكبار المسؤولين فيه والمنتسبين إليه التي كانت تديرها «الجمعية». وهذه معلومات حساسة للغاية، تم تخزينها على الأرجح على الخوادم الأكثر أماناً. آخر شيء يريد «حزب الله» أن يعرفه الرأي العام، هو أنه يدير أمواله في مؤسسة مدنية تقدم خدمات مالية للشيعة. وتشمل الأسماء المنشورة الوحدة المالية للحزب ووحداتها الفرعية العاملة.

ما يثير القلق بشكل خاص هو حقيقة أن «القرض الحسن» يدير حسابات لعدد كبير من الشركات الإيرانية المصنفة والموضوعة على قائمة الإرهاب، مثل الخطوط الجوية الإيرانية «ماهان إير» و«إيران إير». «القرض الحسن» لا يدير شؤونها المالية فحسب، بل يساعدها بنشاط في تجاوز العقوبات الأميركية. تشكّل إدارة أموال «حزب الله» في «القرض الحسن» إلى جانب الأموال الإيرانية - وقد جاء ذكر عائلة من كبار العائلات الإيرانية - خطراً كبيراً على الشيعة اللبنانيين، وعلى المقترضين الذين أودعوا ذهبهم هناك، وعلى الأفراد الذين أودعوا أموالهم هناك أيضاً.

لقد أصبح «القرض الحسن» هدفاً لكل أعداء «حزب الله»، ولقد كانت مسألة وقت قبل أن يتم اختراق خوادمه. وستكون الخطوات التالية غير سارة بنفس القدر للذين اختاروا إيداع أموالهم وذهبهم في «القرض الحسن». وتشمل هذه إجراءات قانونية للتعاون مع جمعية محددة، والعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة، وربما حتى التهم الجنائية من سلطات تطبيق القانون في لبنان.

أسهم «القرض الحسن» بشكل واضح في الأزمة المالية في لبنان، وأسوأ من ذلك، في عجز لبنان عن تجاوزها. ويتجلى ذلك في حجم نشاطه بالنسبة إلى «حزب الله» وإيحائه بأن له علاقات واسعة مع البنوك في لبنان، مع العلم الأكيد أن «القرض الحسن» لا يلتزم المعايير المصرفية المعترف بها دولياً، وبالتالي لا يستطيع أي مصرف تجاري أن يكتتب أو يساهم أو يرتبط بمَحافظ مالية من هذا النوع، ولن تسمح له سلطته الرقابية بفعل ذاك
ومع هذا فإن «القرض الحسن» يعرّض كل استثمار أجنبي لخطر كبير، ولن يستثمر أي كيان مالي أموالاً في لبنان في هذا الوقت وما دام «حزب الله» يقيم دولته في كل القطاعات في لبنان. يحاول «حزب الله» تدمير القطاع المصرفي بشكل نهائي في لبنان، لذلك يدّعي علاقات مالية مع مصارف كبيرة، فهذه الوسيلة الوحيدة لتدميرها من أجل انتعاش «مصارفه» غير الشرعية، وكي يظل اللبنانيون غير الموالين له، يتلوعون وهم على أبواب المصارف ينتظرون الفتات من ودائعهم، حتى إذا ما انهارت المصارف بسبب ادعاءات «حزب الله» كي تكتمل سيطرته على لبنان، يصبح كل اللبنانيين فقراء، ووحدهم الذين ينفذون تهديدات «حزب الله» يحصلون على ما يسدون به رمقهم.

حاول «حزب الله» وضع أموال «القرض الحسن» في مصارف لبنانية تحت غطاء خاص وتجاري بريء. لكن كل بنك أو شركة أو حتى فرد يتعامل أو يكتتب أو يساهم في محفظة أو مؤسسة تابعة أو قريبة من «حزب الله» سيكون معروفاً للأميركيين وبالتالي للأوروبيين. وتعرف كل المصارف اللبنانية كيف تم إقفال «جمال تراست بنك»؛ لإدارته حسابات لـ«القرض الحسن»، و«ميدل إيست آند أفريكا» (مياب)، و«اللبناني الكندي»، ولا تريد المصارف اللبنانية الباقية بعدما تعرضت لحملات متتالية من «حزب الله»، لأنها التزمت الإجراءات الأميركية، أن تتعرض لخطر الانهيار الكامل، وهذا ما يعمل عليه الحزب.

إن «القرض الحسن» الآن في خطر، كما أن المودعين هم من سيدفعون الثمن، لأنهم لن يستردوا أموالهم أبداً. هذه حكاية «القرض الحسن» لكنها أكثر من ذلك. إنها قصة كيف يقوّض «حزب الله» المؤسسات السياسية والمالية للحكومة ويعرّض لبنان كله للخطر.
على كلٍّ، رغم أن لبنان لا يزال يتعامل مع تداعيات انفجار المرفأ - قد يكون الهدف الثاني لـ«حزب الله» مؤسسة الجيش اللبناني، وقد لمح إلى ذلك نصر الله في خطابه الأخير وهو يتحدث عن المرفأ - يبدو أن انفجاراً مقبلاً في طريقه إلى لبنان. لن تستثمر أي دولة غربية الأموال في إعادة تأهيل لبنان، ما دام النظام المالي اللبناني مصبوغاً بأموال «حزب الله». إن الإنذار الفرنسي لا يزال يتردد صداه، لكن لا يبدو أن لبنان قادر على الوفاء بوعوده ليتلقى المساعدات الدولية.

إن الوضع الكارثي المتشعب في لبنان يشكّل فرصة ذهبية للبنانيين للمطالبة بما يستحقونه. عليهم أن يطالبوا بإغلاق «القرض الحسن» غير المقيَّد بالأنظمة المالية اللبنانية أو الدولية، واستبعاد «حزب الله» من أي مؤسسة تتحمل المسؤولية المهنية المقدسة في حماية الشعب اللبناني.

السؤال الرئيسي الذي صار الآن أكثر إلحاحاً وأهمية هو ما إذا كان هناك أي شخص مخلص فقط للبنان وليس لمصالحه أو مذهبه أو حصصه، يمكنه أن يضع حداً لدولة «حزب الله» داخل الدولة اللبنانية، أو أن الجميع استسلم لسيطرة «حزب الله» وإيران على لبنان لتحويله إلى امتداد إيراني؟ السيطرة لن تدوم والاستسلام لن يستمر، وقد يكلف ذلك كثيراً، أكثر من طاقة لبنان على الاحتمال. إن الوقت كفيل بكشف ما يحمله المستقبل. لكن يعرف «حزب الله» أنه ليس وحده القادر على القتال!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«القرض الحسن» أفلس لبنان «القرض الحسن» أفلس لبنان



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:59 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 02:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

قطار ينهي حياة شيخ ثمانيني في سيدي العايدي

GMT 10:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

"خلطات فيتامين سي" لشعر جذاب بلا مشاكل

GMT 13:54 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

نصائح مهمة لتجنب الأخطاء عند غسل الشعر

GMT 13:08 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام فعاليات "ملتقى الشبحة الشبابي الأول " في أملج

GMT 16:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

كمبوديا تستخدم الجرذان في البحث عن الألغام

GMT 04:44 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميم مجمع مباني "سيوون سانغا" في عاصمة كوريا الجنوبية

GMT 06:28 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

خبير إتيكيت يقدم نصائحه لرحله ممتعة إلى عالم ديزني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca