شكسبير! سخيف ناقل تافه

الدار البيضاء اليوم  -

شكسبير سخيف ناقل تافه

سمير عطاالله
بقلم - سمير عطاالله

جرت العادة أن يتطاول النقاد الناشئون أو الفاشلون على كبار الأدباء والشعراء، في طلب واضح وغير مجدٍ للشهرة أو للمكانة. وفي مراحل كثيرة أيضاً، تضارب الأدباء والشعراء بينهم، حسداً أو غيرة أو قناعة حقيقية، في نظرة الواحد منهم إلى الآخر.

وغالباً ما جرت تلك المعارك بين معاصرين أو متزاملين، إما غيرة وإما نرجسية. وكنت أشعر أحياناً أن عبد الوهاب البياتي يغادر المجلس إذا خطر لأحد مدح سواه.
ما هو غير عادي أن يكرس عملاق في قامة تولستوي جزءاً من حياته لتحقير وليم شكسبير، الذي هو خارج التصنيف في الأدب العالمي. ومع ذلك أصرَّ أديبُ روسيا على الحطّ من قدر شكسبير بطريقة لا تليق به. وأمضى السنوات في التهجم عليه وسط الاستنكار والاستغراب داخل روسيا وخارجها. وعندما بلغ الخامسة والسبعين وتضافر نقاد العالم عل معاتبته، ردّ على الحملة بقوله: «عندما أعدت النظر في مواقفي اشتدتُ اقتناعاً بها. وذلك لأن شكسبير لا يستحق إطلاقاً المجد الأدبي الذي أُعطي له، والذي يدفع كتّاباً من معاصرينا على تقليده، ويحمل القراء على البحث في أعماله عن أشياء لا وجود لها». وقد رأى أن شكسبير «كاتب لا يفتقر إلى العبقرية فحسب، بل هو مؤلف عادي مثل سواه من العاديين». ودليلاً على ذلك، أعاد نشر مقاطع من مسرحية «الملك لير» التي استند إليها النقاد لإثبات عبقرية الشاعر الإنجليزي. وفي نقد خاتمة المسرحية، يستخدم الأوصاف التالية؛ غبية، لفظية، غير معقولة، غير مفهومة، مليئة بالنكات السخيفة والمغالاة والحشو الذي لا معنى له.
ليس هذا فقط. بل إن شكسبير سرق المسرحية من كاتب إنجليزي مغمور، وغيَّر فيها القليل. ويكبد تولستوي نفسه عناء إثبات السرقة فقرة فقرة، مشدداً على كونها مملة ومضجرة، «مثل جميع أعمال شكسبير الأخرى». ثم يعثر لشكسبير على حسنة واحدة، «باعتباره ممثلاً، يستطيع أن يعطي مسرحياته شيئاً من التقنية المهنية، ولا شيء آخر. فلغته فضفاضة وسخيفة، لا يتردد في رمي أفكاره السطحية على أي من أبطاله، ودائماً في غياب أي مشاعر وأحاسيس جمالية، ولا علاقة لكلماته على الإطلاق بالصياغة الشعرية». «وربما كان أي شيء، لكنه لم يكن فناناً»، إضافة إلى «أنه ساقط، وبلا قيم أخلاقية».
إذن، كيف نفسر هذا الافتتان الكوني بالشاعر؟ إنه واحد من مراحل الجنون الوبائية التي تضرب البشر، مثل الحروب الصليبية وموجة زرع هولندا كلها بأزهار التوليب، وموجات البحث عن الذهب! وما شكسبير نفسه إلا بدعة ألمانية. فالأساتذة الألمان هم من اكتشفه في القرن الثامن عشر، ونبهوا الإنجليز إليه. وعندما قال الشاعر الألماني غوته إن شكسبير «شاعر عظيم، لحق به الجميع مثل القطيع».
هناك «معارك» أدبية كثيرة في التاريخ، لكننا هنا أمام أعظم روائي روسي يقاتل أعظم شاعر إنجليزي، بعد قرون على غيابه. وأمام أديب روسي حظي بإجماع العالم يتخذ موقفاً غريباً من أديب أكثر إجماعية. هل يحدث ذلك للعمالقة أيضاً؟ الغيرة اللاواعية التي تحولهم إلى أطفال!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شكسبير سخيف ناقل تافه شكسبير سخيف ناقل تافه



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:41 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 09:52 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

أمطار صيفية تعزل دواوير ضواحي تارودانت

GMT 07:59 2018 الأحد ,15 تموز / يوليو

"بورش" تحتفل بالذكرى الـ70 لسيارتها الأولى

GMT 16:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 08:36 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

النفط ينخفض مع تهديد الصين برسوم جمركية على الخام

GMT 05:34 2018 الإثنين ,11 حزيران / يونيو

تعرف على أبرز علامات ظهور "ليلة القدر"

GMT 23:49 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

الليمون الحل النهائي للقضاء على "قشرة الشعر"

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca