«ترفع رأسها من البحر»

الدار البيضاء اليوم  -

«ترفع رأسها من البحر»

سمير عطاالله
بقلم - سمير عطاالله

هذه الغشاوة التي تغطي بيروت حتى العصر، سببها - على ما يبدو - ليس التلوث؛ لأن المدينة شبه خالية منذ أسابيع، وهذه الطبقة من الشاش لا تفارقها. فهل تأتي إذن من البحر؟ هذه الغشاوات – تمييزاً عن الضباب - ترافق مدناً كثيرة. في ليما، عاصمة البيرو، نصف السنة تقريباً؛ لكن هذا الضباب الخفيف لا تلحظه في بيروت إلا عندما تنظر إليها من مرتفع، أما عندما تكون في قلبها، فلا تعود «ترى» سوى الزمامير؛ خصوصاً قرب المستشفيات؛ حيث ترفع بكل براءة ونية حسنة لافتات كُتب عليها «سكوت. مستشفى».

أعود في هذه العزلة إلى قراءة «بيروت» للراحل سمير قصير. ماذا أجد؟ أجد أن الذين هاموا بهذه المدينة لم تكن جذورهم فيها. كان سمير قصير، السوري الفلسطيني، يكتب بالفرنسية في «الموند» عن نضالات فلسطين. وعندما شعر بأن هذا الحصن الثقافي في خطر، انتقل إلى الكتابة عن بيروت حتى قتل بسببها. جميع الذين كتبوا بيروت، أو أنشدوها، لم يكونوا من هذه الأحياء القديمة المحاذية للبحر. محمود درويش جاء من جبل الكرمل، ونزار قباني من بحرات دمشق، وأدونيس من ريف سوريا، والسياب من جيكور التي في أنبار العراق.
أغرتهم بيروت. أعطتهم مفاتيح المدينة وذهبت إلى النوم. وكان أحمد صالح النجفي يتمشى في مقاهيها بثياب أهل النجف؛ كأنه في حديقة منزله. وكل قادم رأى فيها مدينته التي لا تطرح عليه الأسئلة، ولا تناقشه في شيء.
في المقهى الواحد كان العروبي والإفرنجي واليساري، والمقاتل، والذي لا يهمه في دنيا الآخرين شيء. هذا - على ما أعتقد - كان سر بيروت يوم كانت. في كلمة واحدة: الحرية.
عندما أعلن العالم أجمع حالة الإقفال منذ أسابيع، رفضت السويد ذلك. بالأحرى، رفضه السويديون. هل تدري لماذا؟ لأن الحظر ضد الحرية. والحرية في تلك البلاد أهم من أي شيء آخر. أنا طبعاً مع الحجْر، وعندما أرى صور السويديين في المقاهي يستقبلون الأشعة الأولى من الربيع في بلادهم النقية بالبرد والغيوم. إلى متى ستصمد رياح الحرية في وجه ريح السموم؟
نحن، في بيروت، لم يعد لنا من الشرفات، في أي حال، سوى هذه الشرفات المسورة بالزجاج. منها ترى الأشياء والكدر. مدينة نزار ومحمود درويش ضاعت في هباء الأزمنة. ولم يبقَ من الأطلال سوى مقهى في الحمراء كان اسمه «الهورس شو» ويحمل اليوم اسماً من أسماء المقاهي السريعة. يجلس فيه عباس بيضون وحواريوه، مثقلاً بشِعره الجميل ونثرِه المركَّز، يتذكر قصيدته «البحر»:
«من أنا لأدلكم على الأحجار التي ولدنا عليها كالسحالي، حين كانت المدينة ترفع رأسها من البحر، تغذينا بالشمس والملح».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«ترفع رأسها من البحر» «ترفع رأسها من البحر»



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:41 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 09:52 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

أمطار صيفية تعزل دواوير ضواحي تارودانت

GMT 07:59 2018 الأحد ,15 تموز / يوليو

"بورش" تحتفل بالذكرى الـ70 لسيارتها الأولى

GMT 16:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 08:36 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

النفط ينخفض مع تهديد الصين برسوم جمركية على الخام

GMT 05:34 2018 الإثنين ,11 حزيران / يونيو

تعرف على أبرز علامات ظهور "ليلة القدر"

GMT 23:49 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

الليمون الحل النهائي للقضاء على "قشرة الشعر"

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca