الرجل الذي مدحه البياتي

الدار البيضاء اليوم  -

الرجل الذي مدحه البياتي

سمير عطاالله
سمير عطاالله

توفيت والدة الصادق النيهوم ساعة ولادته في حي سوق الحشيش في بنغازي عام 1937. كان والده بحاراً لا يعود إلى المدينة الصغيرة إلا قليلاً، فاحتضنه خاله حتى بلغ الثامنة، فذهب إلى منزله الأبوي. دخل الجامعة الليبية تلميذاً، ثم معيداً. أوائل الستينات، هاجر إلى هلسنكي، وأخذ يكتب مقالات إلى صحيفة «الحقيقة» خطفت لب الشباب. وكان الموعد مع الصادق أجمل مواعيد الأسبوع. وكان يقول «شيئان يربطاني ببنغازي: قلبي و ساعي البريد».
دخل الصادق الكتابة العربية بأسلوب لا مثيل له: روعة البداوة وصدمة الغرب وثقافة الآداب العالمية. كان يمكنك الإصغاء إليه ساعتين وهو يتحدث بشغف وعمق وطلاقة عن غوته، وكارل غوستاف يونغ، والدنماركي كيركغارد. وعندما قام القذافي بانقلابه، كان، مثل سائر شباب ليبيا، مسحوراً بالصادق. وفي بداياته نزل إلى الناس وحاورهم، وحاورهم باسمه الأول، معمر. وعندما أصدر «الكتاب الأخضر» قال كثيرون إن الصادق هو الذي وضعه.

لكن لم يكن في الكتاب شيء من ألق الصادق ولمعانه الفكري. وقد تبيّن فيما بعد، أن الذي ساهم في توليفه اثنان من المقيمين السودانيين. ونشأ خلاف بين الصادق وبين الأخ القائد ولجانه الشعبية، فظل النيهوم إلى وفاته عام 1994 في سويسرا، ولم يعد إلى بنغازي إلا رفاتاً.
ألقي نوع من الحظر على الصادق في الجماهيرية العظمى. ولم يكن للأخ القائد وجود اسم آخر يحتفي به الشباب كل يوم. وكان له قرّاء ومريدون في كل مكان. وحاول الكثيرون تقليد أسلوبه، وسعى البعض الآخر إلى تقليده في هندامه «الهيبّي»، وحذائه المكشوف، وسروال الجينز البسيط.

لكن في زمن الحظر، بقي للساحر الليبي أصدقاء ومحبون. وتولى الأديب سالم الكبتي، نشر كل كلمة كتبها الصادق، وضمها في كتب خوف الضياع. ولا يمر عام إلا ويحمل سالم إلى كتاباً آخر من الصادق أو عنه. وهو يعرف مدى تلك المودة والصداقة الخالصة والإعجاب الذي كان يربطني بالنيهوم، ولا يزال.
قبل أيام أرسل لي الكبتي آخر الإصدارات: «الذي كان يزرع الزجاج: مقالات عن الصادق النيهوم». بينها واحدة بقلم الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي. ظننت أن المقال سيكون مقتضباً؛ لأن البياتي ضنين بالكتابة عن الآخرين – إذا حدث وكتب. واعتقدت أنه سوف يكون خالياً من أي كلمة إعجاب. لكن البياتي، لمرة، تغلب على نفسه، وعلى سمعته، وعلى جميع الذين راهنوا على أنه لن يكتب كلمة طيبة في أحد.

يروي البياتي، دامعاً، قصة ثلاثة رفاق التقوا في المدرسة، ثم الجامعة: الصادق رجب النيهوم، ومحمد حسن القزيري، وأسعد أحمد المسعودي. جميعهم ولدوا عام 1937. وجميعهم تخرجوا في كلية الآداب. وجميعهم ماتوا في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، يتقدمهم الصادق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرجل الذي مدحه البياتي الرجل الذي مدحه البياتي



GMT 09:12 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الخضرة والماء والوجه الحسن

GMT 09:08 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

اللبنانيّون وقد طُردوا إلى... الطبيعة!

GMT 09:04 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الضوء الأخضر للإرهاب

GMT 08:57 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

تايوان... «أوكرانيا الصين»!

GMT 08:52 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

أصوات العرب: جوّال الأرض

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 16:52 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تحرم الأهلي من رامي ربيعة في مباراة الإسماعيلي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 15:27 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

التصميم المميز للزجاجة والروح الأنثوي سر الفخامة

GMT 08:49 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أليساندرو سارتوري يسرق الأنظار إلى "زينيا" بابتكاراته

GMT 12:55 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جزيرة منمبا في زنجبار تتمتع بمناظر طبيعية نادرة ورومانسية

GMT 04:30 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الإبلاغ عن العنف الجنسي يعصف بحياة السيدات في الهند
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca