الديك خاسراً رابحاً والعكس

الدار البيضاء اليوم  -

الديك خاسراً رابحاً والعكس

سمير عطاالله
سمير عطاالله

كل المهن حروب دائمة بين أهلها، الفارق الوحيد مدى شراستها، ويخيل إليّ أن أسوأ الحروب هي التي تقوم بين السياسيين منذ فجر الخليقة، تليها مباشرة حروب الصحافة والأدباء على اختلاف طبقاتهم. والثانية جزء من الأولى. وتشبه المعارك الصحافية في شراستها مصارعة الديوك المكسيكية، التي تنتهي بمقتل أحد الديكين المتصارعين، ووصول الديك الآخر إلى حافة الموت.

وفي هذه التجارة جميع المتعاطين بها يفتقرون إلى أي حس أخلاقي: أصحاب الحلبة وأصحاب الديوك ومدربوها. أما الفريق الأسوأ فهو المتفرجون. أو الجماهير. وإذا ما شاهدت مرة على التلفزيون، حفلة من هذا النوع، سوف تلاحظ فوراً نوعية هذا الحضور من مظهرهم وثيابهم وهياجهم وتحريضهم الديوك على الغليان والغضب، إلى درجة لا يعود معها ممكناً أن يعود المتصارعان عن متعة القتل، لا يهم بأي حالة ينتهيان، المهم هو هزيمة الآخر. وعادة يرسل الديك المنتصر إلى نتف الريش، ثم الشي؛ لأنه لن يبقى قادراً على أداء حفل عراك آخر. إنه ميت في الحالتين، ربح أو خسر، وكل دوره هو إرضاء شهوة القتل عند حثالة من السكارى والأغبياء. وهؤلاء عادة فاشلون في كل شيء. في حياتهم الخاصة وفي حياتهم العامة وفي أعمالهم؛ لذلك يتوسلون الانتصار من خلال ديك فارغ يرى أن قوة الكائن في عرفه لا في دماغه، وفي هذا المنطق يكون هو الخاسر دائماً، وهو الثانوي أبداً. ولا فارق بين حجم عقله وحجم عقل الديك. إن كل إنجازه في الحياة هو أن يكون بين أهل الفريق الرابح في معركة بين ديكين، يمثل انتصار أحدهما كل معاني الربح ونشوة التنكيل بالخصم.

مع «الإنترنت» وعبقرياتها اللامحدودة، أضيف إلى أساليب المعارك السياسية والصحافية، بُعد آخر، هو وسائل التواصل. وهذه، مثل الصحافة الأولى قسمان: متعة وفائدة وإبداع وشراكة وعلوم وتقدم ورحابة ومستويات، أو حسد ونمّ، وشتم، وريش منفوش وعرف يهتز غضباً أو صياحاً.

أنا، والحمد لله، من الفئة الناجية. لم أعِر أي أهمية للغة الديكية ولا إلى جمهورها، ولا إلى تجارها ولا إلى أبطالها، في أي مرحلة من مراحل الصحافة، وما أعرته يوماً في حمق طفولي كان سقطاً لا ينسى، ولا يُغفر. فقد شابهت مَن لا أشبههم. واعتقدت الرد دفاعاً، فيما هو خسارة إضافية.

ما أسمعه أو أقرأه عن حروب وسائل التواصل، هو في الحقيقة وسائل للفرقة والتحريض والكره والبغض وشر الخطاب والحمد لله أن جمهور الثقافة الديكية محدود ومكشوف في كل الاتجاهات. ولذا؛ فإن متابعيه يتناقصون وليس العكس. وقد تحدثنا عن المعارك السياسية والصحافية وفاتنا معارك أهل الفن الذين يردحون في بعضهم ردحاً لئيماً يليق بمسارح الديوك المكسيكية المعتمة وليس بأضواء المسرح. ستارة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الديك خاسراً رابحاً والعكس الديك خاسراً رابحاً والعكس



GMT 09:12 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الخضرة والماء والوجه الحسن

GMT 09:08 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

اللبنانيّون وقد طُردوا إلى... الطبيعة!

GMT 09:04 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الضوء الأخضر للإرهاب

GMT 08:57 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

تايوان... «أوكرانيا الصين»!

GMT 08:52 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

أصوات العرب: جوّال الأرض

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 16:52 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تحرم الأهلي من رامي ربيعة في مباراة الإسماعيلي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 15:27 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

التصميم المميز للزجاجة والروح الأنثوي سر الفخامة

GMT 08:49 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أليساندرو سارتوري يسرق الأنظار إلى "زينيا" بابتكاراته

GMT 12:55 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جزيرة منمبا في زنجبار تتمتع بمناظر طبيعية نادرة ورومانسية

GMT 04:30 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الإبلاغ عن العنف الجنسي يعصف بحياة السيدات في الهند
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca