الطابع التذكاري

الدار البيضاء اليوم  -

الطابع التذكاري

بقلم - سمير عطاالله

أصدر المنشق الأميركي إدوارد سنودن العام الماضي كتاباً بعنوان «سجل دائم» يشرح فيه كيف تراقب وكالات الاستخبارات الحديثة حياة الإنسان منذ ولادته. كان سنودن موظفاً في الـ«سي آي إيه»، قبل أن يفر إلى موسكو ويطلب اللجوء. أثار اللجوء كما أثار الكتاب لاحقاً، ضجة لا مثيل لها. وفي اليوم الأول لنزوله إلى السوق، أصبح رقم واحد في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً.
تنسى الناس أن مراقبة البشر بدأت أيام الإمبراطورية الرومانية، عندما أنشأت روما «وزارة البريد». ومن خلاله كانت تراقب مراسلات التجار والناقمين والمتواصلين مع وجهاء الإمبراطورية. ونقل العباسيون الفكرة وألحقوها، من دون أي حرج، ومنذ تلك الأيام، بوزارة الشرطة.
في عهد صدام حسين، أُلحق «البريد» بوزارة الثقافة من بين جميع الوزارات باعتباره قناعاً ذكياً للنشاط الاستخباري. وكان طبعاً أغبى الأقنعة. وفي أي حال تعمدت بعض الأنظمة العربية أن يعرف كل مواطن أنه مراقب حتى في مخدعه. وكل رقيب كان عليه رقيب. وفيما حافظ الموظفون الرسميون في معظم الدول العربية على أخلاقيات العمل، نمت في عدد آخر شبكات من المخبرين والمفترين والسقط الذي يعيش على الكذب والاعتداء وتخريب حياة الآخرين.
وكان هذا النوع يحرص على إعلان هويته كي يمارس التهديد والابتزاز. غير أن الدول المحترمة كانت ترمي هذا النوع من الزبالات في القمامة حتى قبل قراءته. فمهمة الدولة حماية الناس وليس التنكيل بهم. وغالباً لا يؤخذ أي شيء إلا بعد التحقق منه تماماً، وإلا سقطت الدول سريعاً في الإشاعات التي يطلقها الخصوم والمتقاتلون.
روى مدير المخابرات اللبنانية السابق السفير جوني عبده أنه عرض مرة على أحد «الصحافيين» التعاون معه، فسأل هذا عن المكافأة، فقال له 2000 ليرة شهرياً. وفي وقاحة مألوفة أجاب المخبر: «ما فيي. العراقيون يدفعون أربعة آلاف». قبله قيل للمدير الأسبق، الجنرال غابي لحود، لماذا تقبلون التعامل مع مثل هذه الفئة من الناس فأجاب: «عندما تجد رجلاً طيباً يقبل الوشاية بصديقه أو شقيقه، بلغنا عنه وسوف نتعامل معه».
قال مونتسكيو، أحد فلاسفة الثورة الفرنسية، إن الدولة الرومانية كانت تتفوق دائماً على أعدائها بسبب ما تملكه من معلومات عنهم. فما من أحد منهم يملك الوسائل التي تملكها، وخصوصاً البريد. وعبر العصور حاول الكثيرون التحايل عليها، باختراع شيفرات مضللة، أو مبهمة. ولم ينفع ذلك إلا في تخيل الروايات وتصوير الأفلام المثيرة والمسلية.
وفي أي حال لم يعد في الدول شيء اسمه وزارة البريد. عنوانك أصبح إلكترونياً، ومراسلاتك ضوئية و«واتساب» ينقل طناً من الموسيقى والصور والمواد قبل أن تنتهي من كتابة اسم المرسل إليه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الطابع التذكاري الطابع التذكاري



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:41 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 09:52 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

أمطار صيفية تعزل دواوير ضواحي تارودانت

GMT 07:59 2018 الأحد ,15 تموز / يوليو

"بورش" تحتفل بالذكرى الـ70 لسيارتها الأولى

GMT 16:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 08:36 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

النفط ينخفض مع تهديد الصين برسوم جمركية على الخام
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca