عودة بلا حجْر

الدار البيضاء اليوم  -

عودة بلا حجْر

سمير عطاالله
سمير عطاالله

يعلن الصيف في باريس ولندن عادة عن الطبقات الغنية حديثاً في البلدان الأخرى. عندما جئنا للعاصمة البريطانية أواخر السبعينات، كان عرب الخليج، بثيابهم التقليدية، يملأون الهايد بارك وساحة البيكاديللي و فنادق سلون ستريت. وبعد سنوات طافت لندن بالروس، قامات ضخمة للرجال، وقامات ساحرة للنساء. ثم أطلت قوافل آسيا: الصينيون الجدد، واليابانيون الضاحكون أبداً مثل إعلانات معجون الأسنان، ثم وصل آخر المزدهرين الكوريون الجنوبيون، فيما جيرانهم في الشمال منهمكون في إطلاق الصواريخ.

كنت تعرف العرب من لباسهم، أو من سيارات أبنائهم، والروس تعرفهم من وريثات كاترين العظمى التي جاء بها القيصر من ألمانيا لتطوير الجنس الإمبراطوري. لكن كيف لك أن تميز الإخوة القادمين من الصين واليابان وسنغافورة وتايوان وسائر سكان القارة؟ وليس هنا من سيارات عربية تطلق صوت محركاتها عند منتصف الليل عند تقاطع نايتسبريدج ولا من قامات روسية من سلالة كاترين، عظيمة الروس؟ وجوه متشابهة، لها عيون موحدة القياس، وأجسام ناحلة موحدة القوام، وانحناءة واحدة كأن الإمبراطور آتٍ ليلقي على الجميع السلام. لا ضرورة لأن تعرف شيئاً ولا أحداً. هؤلاء الآسيويون لا يتعرفون على أحد ولا يخالطون أحداً. ومثل اللبنانيين يكونون في لندن ويبحثون عن صحن حمص. أو مثل المصريين يسكنون في الدورشستر ويطلبون للفطور صحن فول. وعاش الراحل الشقي محمود السعدني في لندن فترة طويلة من دون أن يغير شيئاً في طقوس الصبحية: «أمال إن ما كانشي فيه فول، بيطلع النهار ليه يا جدع؟».
تحولت لندن (أو باريس) إلى مدينة إضافية من مدن العرب. ولم تعد رحلة الصيف فقط. وحلّت محل بيروت في أمور كثيرة. وصدرت فيها الصحف اليومية الكبرى، كما وجد فيها علق الصحافة هامشاً يصدرون منه مطبوعات الابتزاز. وظلت الصحافة المهنية في الصدور بينما لاقت الطفيليات مصيرها.

ظل الصيف أمير الفصول وبقيت لندن في أحلام العرب بقية السنة. لكن طارئاً رهيباً تولى حجب زوار الصيف عن المدينة: الكورونا. أبعد الوباء جميع أنواع السياح: أثواباً عربية، وقامات روسية، وعيوناً مميزة من الصين وكوريا. وهذا الصيف بدأوا يعودون، في حذر وفي تردد، ولكن أيضاً في انفراج. فالعالم سجن كبير من دون لندن. إنها من القربى الوحيدة تقريباً خارج دياره. مدينة في وسط العالم، أينما كان مكانك منه. ومدينة يتحدث لغتها الجميع، مهما كانت أجناسهم وألوانهم أو قاراتهم.

لم تعد مضطراً للحجر أسبوعين إذا كنت قادماً إلى المدينة من أي جهة. فما نفع لندن إذا كنت في أربعة جدران، وهي مقر ولادة الحريات. علم «كورونا» العالم أجمع أهمية ما كانوا يعتبرونه أمراً مفروغاً منه. ما من شيء في الحياة أمر مفروغ منه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عودة بلا حجْر عودة بلا حجْر



GMT 09:12 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الخضرة والماء والوجه الحسن

GMT 09:08 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

اللبنانيّون وقد طُردوا إلى... الطبيعة!

GMT 09:04 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الضوء الأخضر للإرهاب

GMT 08:57 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

تايوان... «أوكرانيا الصين»!

GMT 08:52 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

أصوات العرب: جوّال الأرض

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 16:52 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تحرم الأهلي من رامي ربيعة في مباراة الإسماعيلي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 15:27 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

التصميم المميز للزجاجة والروح الأنثوي سر الفخامة

GMT 08:49 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أليساندرو سارتوري يسرق الأنظار إلى "زينيا" بابتكاراته

GMT 12:55 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جزيرة منمبا في زنجبار تتمتع بمناظر طبيعية نادرة ورومانسية

GMT 04:30 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الإبلاغ عن العنف الجنسي يعصف بحياة السيدات في الهند
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca