أمميَّة الجهل

الدار البيضاء اليوم  -

أمميَّة الجهل

سمير عطاالله
سمير عطاالله

يحدث هذا الأمر في كل الحالات المشابهة، في كل الأزمان، في كل الأمكنة: بسبب فرد واحد يضطهد الناس – أو يخافون – شعباً بأكمله. بسبب إبراهيم العويساوي يتعرض التونسيون لمضايقات جمّة في أمكنة كثيرة. تلك هي عقلية الجماهير وردود الغوغاء. لأن الجماهير لا تفكِّر ولا تتأمَّل. التفكر يجرّدها من متعتها الكبرى، الغضب. والغضب يوهم الجهلة بالانتصار والقوة ويُلهب غدد النشوة العمياء في الدم المحرور.

صدف أن الذي قاد الشاحنة القاتلة على شاطئ نيس كان تونسياً. وكذلك زميله في برلين. وكذلك العويساوي الذي اتصل بأمه في تونس كي تترضى عنه قبل أن يذبح الأم الأفريقية في الكنيسة.
هؤلاء ليسوا تونس حيث انتصر المستقلون في الانتخابات الأولى على حزب النهضة وفكر الغنوشي. وتونس هي البلد المغاربي الذي لم يسلّم نفسه للمجازر كما حدث في الجزائر. ولا لمراهقي العسكر كما في ليبيا. ولا لدعوات التطرف الباحثة عن الخلاص الروحي وراحة الإيمان في إحراق ضابط في قفص حديدي مغلق وتصويره بأفضل التقنيات المستوردة من الشيطان الغربي.
تونس مجتمع متقدم في كل المقاييس. بورقيبة فعل ما فعله نهرو من قبل: طرد المستعمر واستبقى علومه وأساليب تقدمه. لذلك، نرى في هذا المجتمع اليوم برلماناً منقسماً بين «الإخوان المسلمين» والمستقلين، وتقود المعارضة فيه امرأة.

لا أريد أن أصوّر المجتمع التونسي على أنه مثالي وقدوة. لكنني أريد الاعتراف بما حققته النخب السياسية والفكرية والوطنية فيه، من صمود في وجه المغامرات والشعوذة والجهالات التي تعرضت لها دول عربية أخرى. يعود الكثير من ذلك إلى نظام التعليم والانفتاح الحضاري والثقافي، كما يعود إلى مدرسة الفكر والواقع والحساب، التي على أسسها وضع بورقيبة أصول الحكم.

هفوات «المجاهد الأكبر الأول» كانت كثيرة لكن إنجازه الاستقلالي كان أعظم منها جميعاً. أتأمل – مع ألف خرزة زرقاء وألف نضوة حصان - كيف خرجت هذه الدولة من المحن الخاسرة في العالم العربي. عندما صفّرنا للحبيب بورقيبة ودقَقْنا له على التنك عام 1965 لأنه نصحنا بقرار التقسيم لعام 1947، لم يكن أحد منّا يدرك أننا سوف نُنصح في عام 2020 بقبول 30% من الضفة الغربية كجائزة ترضية لا مثيل لها.

لا يزال العقل بعيداً في كل مكان، حتى في فرنسا التي تعلن أنها أمالديكارتية والمنطق. ولذا نجد عالمنا الحزين المحزن بين مثالين: رسام كاريكاتور تافه وغبي وأمّي، ومدمن جاهل وأمّي. وأما تونس فليس يمثلها العويساوي ومشغّلوه. يمثلها مجتمع متحضر، أقوى من هبوب أبو جهل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أمميَّة الجهل أمميَّة الجهل



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 16:52 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تحرم الأهلي من رامي ربيعة في مباراة الإسماعيلي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 15:27 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

التصميم المميز للزجاجة والروح الأنثوي سر الفخامة

GMT 08:49 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أليساندرو سارتوري يسرق الأنظار إلى "زينيا" بابتكاراته

GMT 12:55 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جزيرة منمبا في زنجبار تتمتع بمناظر طبيعية نادرة ورومانسية

GMT 04:30 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الإبلاغ عن العنف الجنسي يعصف بحياة السيدات في الهند
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca