مفكرة القرية: لماذا تغني الطيور الطليقة؟

الدار البيضاء اليوم  -

مفكرة القرية لماذا تغني الطيور الطليقة

سمير عطاالله
سمير عطاالله

يعيد أهل المدن اكتشاف متعة الحياة في الريف، بعدما فضحت «كورونا» حياة التلوث وهشاشة التزاحم. ارتفعت أسعار القرى، وعادت الأحلام بأن يكون لكل قادر «مزرعته» تنتج له خضرواته وفاكهته وما أمكن من نبات الأرض وثمار الشجر.

وقد أقمنا مذ أصبح لنا حديقة عقداً مع الطيور، المقيم منها والمهاجر. وغني عن التذكير أن الفريق الأول في العقد ونحن فريق ثانٍ يعمل عند الأول ويقبل شروطه. لقاء ذلك، يمنحنا الفريق الأول، من دون انقطاع، ألحاناً بديعة ويغني من دون ملل، ولا يذهب إلى النوم إلا متعباً. ولا نعرف ماذا يغني. ولا ماذا يكرر. لكنه مثل أم كلثوم، أو يكاد، فهو لا يكرر بل يعيد. فهي عندما تهتف «انت عمري» في المرة الأولى، تقدم للمرة الثانية والثالثة ومع الرابعة يكون عمرك قد امتلأ حياةً وشغفاً.

ويحدث هذا مع طيور الجنينة التي تتوزع أنواع وطبقات وإيقاعات التغريد. وجميعها مفرح، وبلا شكاوى. أم كلثوم و«عودت عيني على رؤياك». وقد تعودت طيور الله أن هذه دورها في الطبيعة أن تملأ الأرض شدواً فشدت بلا انقطاع. قال لوتشيانو بافاروتي، أهم صوت في زمننا، إنه قبل أن يصعد المسرح ليغني، يدرب حنجرته على الأداء.
ومن قال لك أن هذه العصافير لا تبدأ مع خيوط الفجر بالتدرب. تبدأ مثل عازفي العود، وتراً هنا وتراً هناك، إلى أن تدفأ الدنيا ويتسق ضوء النهار، ويتأكد البلبل أن الحضور قد اكتمل، فيأخذ في خلط نغماته وتسريعها وتصعيدها حتى يستحق اللقب الذي أعطته إياه العرب، بلبل. وقال فيه شوقي «يا ورد أحسن من ورد جنه».

من أجمل كتابات السيرة الذاتية مؤلف بعنوان: «إنني أعرف لماذا تغني الطيور حبيسة الأقفاص». ما أحزن مشهد الطير في قفص، وما أفرح مشهده يتنقل من غصن إلى غصن. متطلعاً حوله دائماً في خوف، لا يأمن أبداً للبشر. الحذر هو السلاح الوحيد الذي يملكه الضعفاء. لاحظ كيف تنتقل الهررة: نظرة إلى الأمام، نظرة إلى الوراء، نظرة إلى الأمام وتلفت دائماً من حولها.
ثم القطط بالحديقة عابرة، لا تنشئ صداقات. ولا حتى فيما بينها. أما الطيور فتقيم الصداقة عن بعد، ولا ترتاح إلا لعالمها. وتغني. وتقول الدراسات العلمية إن الكثير من الغناء منافسة بين الذكور على إعجاب الإناث. كلما أبدع، زادت حظوظه. ومن هذا المنقار العجيب يقدم أجمل الألحان، وإذ تتأمل هذا المشهد كل يوم وتصغي إلى الحوار، لا يخطر لك سوى المتنبي:
وَكَثيرٌ مِنَ السُؤالِ اِشتِياق وَكَثيرٌ مِن رَدِهِ تَعليلُ

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفكرة القرية لماذا تغني الطيور الطليقة مفكرة القرية لماذا تغني الطيور الطليقة



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 16:52 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تحرم الأهلي من رامي ربيعة في مباراة الإسماعيلي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 15:27 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

التصميم المميز للزجاجة والروح الأنثوي سر الفخامة

GMT 08:49 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أليساندرو سارتوري يسرق الأنظار إلى "زينيا" بابتكاراته

GMT 12:55 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جزيرة منمبا في زنجبار تتمتع بمناظر طبيعية نادرة ورومانسية

GMT 04:30 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الإبلاغ عن العنف الجنسي يعصف بحياة السيدات في الهند
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca