أخر الأخبار

الحصار

الدار البيضاء اليوم  -

الحصار

سمير عطاالله
سمير عطاالله

منذ أن تفرغ أمين معلوف للتأليف، قسم عمله إلى قسمين: عام يمضيه في باريس؛ حيث يهيئ البحث المتعلق بالكتاب، وعام يمضيه في كتابته في جزيرة «راي» بعيداً عن كل شيء وعن كل أحد. التقيته عام 2011 – عام «الربيع العربي» - وسألته في أي طور هو، باريس أم الجزيرة؟ فقال: لا جزيرة هذه السنة. حتى لو ذهب إلى آخر العالم، فلن يكون قادراً على التوقف عن متابعة الأحداث؛ لأنها سوف تلاحقه إلى أي مكان.

عدت فقرأت الكلام نفسه عند كبار كتاب العالم: ألماناً وفرنسيينونمساويين وسواهم. الكاتب، أو الفنان، لا يستطيع أن يعزل نفسه كما لو أنه عالم في مختبر، أو مهندس يرسم خريطة مبنى. هو في قلب الأزمات الكبرى كالتي نمر بها اليوم. هدوء العالم كله مهدد. ولا يفيد أن تكون على جزيرة نائية وبلدك وشعبك وأمتك في اضطراب.

كان النمساوي ستيفان زفايغ يقول خلال فترة الثلاثينات: كيف لي أن أنصرف إلى أبطالي، وأي رجل ألتقيه في الشارع قضيته أهم من قضاياهم؟ الرجل الواقف أمام أي قنصلية تقبل بمنحه تأشيرة. المسافر على باخرة إلى حياة مجهولة. الخائف من أن يفقد عمله غداً وما زال أبناؤه في سن الطفولة.

خلال «الربيع العربي» ظهر كثيرون من المثقفين والكتاب والمفكرين. وبرزت نخبة غير قليلة من المبدعين. والذي هُزم هو الربيع، وليس هم. هُزمت شعوب بأكملها، ولم يعد ممكناً أن يبقى المثقفون وحدهم في هذا الموت والخراب. يقول أردين أدمان إنه في الأزمات الكبرى لا يعود في إمكان الكاتب البقاء في برجه العاجي: «لا يعود قادراً على الامتناع عن قراءة صحيفته، والإصغاء إلى نشرات الأخبار، والاستماع إلى التحليلات، حتى تلك التي يعرف أن أصحابها بلا قيمة أو معرفة».

يروي ستيفان زفايغ أنه كان قد أمضى عشرين عاماً في العمل على كتابه عن الروائي الفرنسي بلزاك، عندما بدأت الفاشية تنتشر في أوروبا. ثم فجأة لم يعد قادراً على المضي فيه. لقد دخلت القارة في مزيج من الكآبة والخوف، وفقدت الأشياء أهميتها، وتحللت الروابط والإنسانيات. وأسوأ ما يتأتى عن المزاج العام في هذه الحالات هو السقوط الأخلاقي في كل أشكاله، ولا تعود المقاييس والمعايير هما عند الناس، ويفكك العنف والفقر والبطالة العائلات، وينشر تجارة الرق والمخدرات، وتظهر طبقات من الحثالة على سطح المجتمع، وتهون الضوابط والأعراف.
في مثل هذه الحالات، ماذا يبقى من أهمية للعمل الفردي والأمل الفردي وألم الأفراد؟ ماذا يبقى عندما يعيش ألوف البشر في الخيام تحت المطر وفوق الوحل، وفي قلب الجوع واليأس؟ أقرأ الآن بعض مثقفي «الربيع العربي» وأحزن. ليس على الربيع؛ بل عليهم وعلى آمالهم وعلى هزيمتهم الكبرى. كأنهم يكتبون من عالم آخر وزمن آخر ولشعب آخر.

تهزم الحروب كل القيم عندما يصبح النصر هو القتل، وحجم النصر هو حجم القتل. وأنت تقيم الاحتفالات ابتهاجاً بما دمرت وقتلت. ومن ثم تتأمل هذا العالم بكل صواريخه وطائراته ودباباته وأساطيله، فإذا هو هارب مثل أرنب من جرثومة لم يتمكن حتى الآن من رؤيتها إلا في الرسوم المتخيلة.

يُهزم المثقف أمام الجلاد والفتوات والجلاوزة الصغار؛ لكنه يبقى ويذهبون. وبعدما يمر الظلام يبقى لهذا العالم أولئك الذين أرغمتهم حروب الجلاوزة على التوقف عن الكتابة، ثم عادوا فكتبوا. زفايغ أكمل تحفته عن بلزاك، وأمين معلوف أكمل رائعته «مقعد على السين».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحصار الحصار



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 21:12 2014 الأربعاء ,29 كانون الثاني / يناير

ماسك العسل وزيت الزيتون لليدين

GMT 01:34 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

الأردنية رحمة الخطيب تُصمم "خفات" الشتاء عصرية من الكروشيه

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 02:19 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

مجالات جديدة وأرباح مادية تنتظرك

GMT 01:07 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

منى أحمد تؤكّد أن رجل الميزان يكون محط أنظار النساء

GMT 19:30 2018 الإثنين ,27 آب / أغسطس

العثور على جثة ملقاة في الشارع في مراكش

GMT 07:15 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

اكتشفي فنادق تعدكِ بإجازات لا تُنسى في الامارات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca