مهد مبعثر

الدار البيضاء اليوم  -

مهد مبعثر

سمير عطاالله
سمير عطاالله

بعد اكتشاف رازيارد كابوشنسكي، أصبحت أبحث عن كل أدب بولندي مترجم. ثمة كنوز خافية في اللغات التي نجهلها، الكبرى منها والأخرى. أي على سبيل المثال لغة عالمية كالإسبانية تغطي قارة كاملة، أو كالبولندية، لغة دولة متوسطة، تتناوب عليها الحروب والاحتلالات، بحيث تفقد لغتها الأساسية من أجل لغة الاحتلال. وفي هذه الحال مرة الألمانية ومرة الروسية.
بعد انهيار السوفيات وانفتاح بولندا على الغرب، كثرت الهجرة البولندية إلى أوروبا الغربية. ونتيجة لذلك أنشئت مكتبات بولندية في باريس ولندن. وقد سارعت طبعاً إليها. لكن خيبتي كانت كبيرة؛ إنها مكتبات للجاليات البولندية، وفي لغتها، وليس للترجمات، وهي قليلة في أي حال.

وقد تذمر الأوروبيون، وخصوصاً البريطانيين، من «الغزو» البولندي. إنهم ليسوا طبقة من المهاجرين البؤساء الذين لا يجيدون حرفة، بل هم حرفيون مهرة وأهل علم، وفوق ذلك، بشرة بيضاء صافية، و«ليس ملامح شرق أوسطية». وتعرف الأوروبيون إلى المزيد من أدباء بولندا وآدابها. ومن المدهشين الشاعر والروائي شيزلو ميلوش. واللهم عونك في قراءة الأسماء البولندية وفك حروف اللغة. لكن دعك من الأسماء، فالمذهل هو النصوص. سوف تقرأ في سيرة ميلوش ما قرأته من قبل في سيرة غونثر غراس نوبل 1999 الذي ولد في غدانسك البولندية ودفعته الحرب إلى ألمانيا. ميلوش ولد في ليتوانيا. وفي وصف طفولته يروي أن الحروب والهرب والتشرد كانت تضيع هويات البشر.

في كتابه «مهد الولادة» كيف تبدلت الهويات في منطقته وكيف تغير منظر القتلى المرمية جثثهم في الحقول: و«كانت جثث الألمان مزنرة بأحزمة لها بكلة حديدية كتب عليها: الله معنا».
يقف أحد مواطنيه أمام جندي ألماني، وهو لا يعرف أن الحرب قد انتهت. لكن لأنه لا يجيد الألمانية فهو يصغي بخوف وتوتر، مثل كلب يستمع إلى تعليمات صاحبه «خائفاً أن يخطئ في فهمها». مشهد من مشاهد الهمجية البشرية الذي سيكتب عنه أمين معلوف في «الهويات القاتلة» بعد 50 عاماً، ويكون «مهد الولادة» هذا في الشرق الأوسط. وسوف يتعين على اللبنانيين والفلسطينيين أن يتحدثوا بلهجة محايدة لأن اللهجة الواضحة بطاقة للقتل، هنا أو هناك.

في مشهد آخر نرى ميلوش أمام جندي ألماني: «ربما كان عليّ أن أكرهه، خصوصاً لغبائه، الذي جعله يمنح هتلر، هو والملايين أمثاله، التفويض بتحويل شباب ألمانيا إلى قتلة. لكن لم أجد في نفسي أي كره. بل كنت مثل حيوان في قفص، لا يعرف إلى أي مجهول ينقل».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مهد مبعثر مهد مبعثر



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 07:38 2018 الإثنين ,23 تموز / يوليو

"سوني" تطلق نسخة من "PS4 Pro" بشعار "الرجل العنكبوت"

GMT 09:15 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

ألمانيا تطالب شركة "أودي" باستدعاء سيارتها "إف 6"

GMT 14:04 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

النقابة الوطنية للتعليم تعتزم خوض وقفة تصعيدية في فجيج

GMT 04:22 2016 الأربعاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

رصد ثور "موس ألبينو" النادر يمضغ الأوراق في ألاسكا

GMT 14:04 2014 الجمعة ,19 كانون الأول / ديسمبر

رجيم سريع المفعول للكرش لخسارة 10 كيلو فى اسبوعين

GMT 02:57 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

نصائح مميزة لإبراز ماكياج الفتيات مع النظارات الطبية

GMT 02:01 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

قطر تأسف لنشر صورة “مفبركة” لملك المغرب في الدوحة

GMT 16:48 2013 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

12 قصة حب وزواج للفنانين والمطربين والإعلاميين في 2013

GMT 07:09 2015 الخميس ,03 كانون الأول / ديسمبر

طفلة بعمر سنة ونصف تثير الحيرة لأسرتها بسبب وزنها الكبير

GMT 15:08 2016 الأحد ,25 كانون الأول / ديسمبر

نانسي عجرم تتألق بأربع فساتين بيضاء وتخطف الأنظار
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca