على جانبي الطريق السريع

الدار البيضاء اليوم  -

على جانبي الطريق السريع

سمير عطاالله
سمير عطاالله

يقولون هنا، في مرارة الوداع، مضى الصيف من دون أن نشعر بمجيئه. لقد اقترب سبتمبر (أيلول) الآن، ووقف أهل القرى يتأملون في استسلام ووجل، اقتراب الخريف وانحسار شهر الغبار. هل يمكن أن يقال ذلك عن فصل الشتاء، أو أي فصل آخر حتى الربيع؟يأتي الصيف «حاملاً محملاً». أعناب وأطياب وتفاح وجوز ومساكب وقطاف ولهو. يطول نهاره المشرق ويضيء ليله قمر وخمسون خمسة نجوم. وفيه يقع موسم الحصاد. وتكثر الأعراس. ويحل في الناس فرح مجاني فيطرد منهم الحسد، ويتلاشى النم سخيفاً أمام الشعور بعظمة الأيام وقرابة البشر.

إنني أعرف أن الجيل الفتي أكثر ذكاء وعلماً وراحة ومعرفة. فلتهنأ بها جميعاً. لكن ليت الطريق السريع لم يأخذ في دربه بعض جمالات الماضي. إنها غلظة الفضول في بعض الأحيان. فقد كان قمرنا رفيق السهرات و مصباح الجبال وأغاني الصحارى. فلما حقق الإنسان فضوله ووصل إليه، وجده صخوراً باردة من رمال. نحن كنا نأنس لظهوره وتتملكنا سعادة ليلة يهل، ولا نرى للحبيبة شبهاً إلا هو. وقد ذهب «الطريق السريع» بالحلم وبالخيال. ولم يعد أحمد رامي يكتب وأم كلثوم تغني: «سمعت صوتاً هاتفاً في السحر/ نادى من الغيب غفاة البشر.

طبعاً جيلنا عاش في البطء، وتأوه طويلاً مع أم كلثوم، وهل البديل حمو بيكا ومجدي شطه وباحبك يا حمار؟ كان يسمى «الزمن الجميل»، لأن الجمال كان شرطاً في جميع وجوه الحياة. الذين كتبوا النقل الشعري، فعلوا ذلك لأنهم عجزوا عن كتابة بيت واحد في مستوى «غفاة البشر». في كل مصر هناك مكان للطقاطيق والشعر الخفيف والأغاني الشعبية. لكن الكارثة الآن أنه لم يعد هناك مكان للشعر الحقيقي. غادر الشعراء من متردم. وغابت معهم «أشياء الجمال» كما سماها الشاعر جوزيف صايغ. ومنذ بداية هذا القرن قلّت أسماء الشعراء الكبار، ولم يبق لنا سوى الاحتفالات بذكرى من مروا. وينطبق ذلك على الشعر العامي وجميع أشكال الغنائيات. «الطريق السريع» لا يحتمل ولا يطيق إيقاع الهدوء وأوتار الطرب. حكايات الأجيال وفروقاتها.

يبقى الصيف على جماله مهما تغيرت عليه العصور. ويظل الصرار يغني له على أغصان الشجر. والبحار ترمي عنها أمواجها لتمتع بها النفس وتجمل سفر الناس الباحثين عن اختلافات ومفاجآت الأمكنة.

نعتذر من الأجيال الطالعة. لا نحن قادرون على الكليبات، إلا إذا كانت من طبقة «ثلاث دقات» وعطر يسرى، ولا هم قادرون على «رق الحبيب» وخدر أحمد رامي. وما من حل وسط في هذه الحالات، ولا من تسويات. أما حمو بيكا وشاكوش، أو «الست» و«عودت عيني على رؤياك». أو «انت عمري»، أو «ثلاث أيام مو أكثر أخذ موضوع نسيانك/ تعبت وحالي تدهور بأول يوم والثاني/ وثالث يوم أتذكر نسيت اسمك وعنوانك».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

على جانبي الطريق السريع على جانبي الطريق السريع



GMT 09:12 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الخضرة والماء والوجه الحسن

GMT 09:08 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

اللبنانيّون وقد طُردوا إلى... الطبيعة!

GMT 09:04 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الضوء الأخضر للإرهاب

GMT 08:57 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

تايوان... «أوكرانيا الصين»!

GMT 08:52 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

أصوات العرب: جوّال الأرض

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 16:52 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تحرم الأهلي من رامي ربيعة في مباراة الإسماعيلي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 15:27 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

التصميم المميز للزجاجة والروح الأنثوي سر الفخامة

GMT 08:49 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أليساندرو سارتوري يسرق الأنظار إلى "زينيا" بابتكاراته

GMT 12:55 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جزيرة منمبا في زنجبار تتمتع بمناظر طبيعية نادرة ورومانسية

GMT 04:30 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الإبلاغ عن العنف الجنسي يعصف بحياة السيدات في الهند
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca