كُتب... مجرد كُتب

الدار البيضاء اليوم  -

كُتب مجرد كُتب

سمير عطاالله
بقلم : سمير عطاالله

كان ألكسندر سولجنتسين يَكتب، وكان يَكتب، ثم يَكتب. وعندما طرد من موسكو في السبعينات، وجاء إلى أميركا، كانت أضواء العالم كله في انتظاره، لكنه بدلاً من البقاء في نيويورك أكمل الطريق إلى منزل معزول في غابة ولاية فيرمونت من أجل أن يَكتب. وكانت زوجته تدخل مكتبه مرة واحدة في اليوم ومعها أولادهما. يقبلهم ويسألهم عن دروسهم وبعد نصف ساعة يطردهم برفق: اذهبوا أنتم إلى ألعابكم وسوف أعود أنا إلى عملي.

وكان يعود إلى عمله في حيوية عجيبة. وخلال عقدين وضع 6 مؤلفات، كل منها في 750 صفحة. الآن صدر الجزء الثالث منها مترجماً إلى الإنجليزية بعد وفاته بسنوات. وبعد سنوات من نهاية الاتحاد السوفياتي، الذي لعب دوراً مهماً في تدميره.

لكن هل ما زال سولجنتسين حياً في الغرب وفي روسيا؟ ليس تماماً. لكنه أيضاً لن يغيب. سوف يظل تلك العلامة الفارقة في الأدب الروسي، ما بين الثورة، والثورة على الثورة. الذي لم ينتبه إليه كثيرون أن سولجنتسين هاجم سجون الشيوعية، لكنه هاجم قبلها سجون القيصر. وكتب في صدق حقائق التاريخ وشرح لشعبه معانيها وأسبابها. وكان يؤمن أن مهمة تاريخية ألقيت عليه، وهي إعادة كتابة تاريخ الإمبراطورية، وهاجمته الآلة السوفياتية بعنف على أنه عميل للغرب، لكنه فاجأ الجميع بعد عودته بشن هجوم شديد على الحياة السياسية والاجتماعية في الغرب، وتحدث عن خيبة أمل شديدة بالحياة في الغرب. وشابه في ذلك سفتلانا ستالين، التي لجأت إلى أميركا في أكبر مفاجأة دعائية ضد السوفيات. لكنها هي الأخرى ما لبثت أن عادت إلى بلادها معلنة عن خيبة أمل كبرى في حياتها الجديدة. وهكذا، انقلب التأثير الدعائي من جهة إلى أخرى. وفي المرحلة الأخيرة من تبدلاتها الحزينة، عادت ابنة ستالين إلى أميركا لتعيش حياة منسية في الأرياف.

وضع سولجنتسين تاريخ روسيا في شكل روائي منذ ثورة أكتوبر (تشرين الأول) 1917. ويضع منذ البداية علامة فارقة شديدة الأهمية، بينها وبين الثورة الفرنسية. ففي فرنسا صمد النظام ثلاث سنوات، بينما تهاوى حكم القياصرة في ثلاثة أيام. تمتلئ أعمال سولجنتسين بآلاف التفاصيل والقصاصات المأخوذة من الجرائد: الجنود الذين يهاجمون ضباطهم، «الجيش، الذي هو أكثر المؤسسات تماسكاً، يذوب ويزول»، «العصابات تشعل النار في المباني العامة. الموظفون يهجرون مكاتبهم»، «الطلاب يهدمون النصب القائمة».

ربما يكون الكثير الذي كتبه سولجنتسين من التاريخ، قد أصبح للتاريخ فقط. ولعدد قليل من الروس، فعندما انهار الاتحاد السوفياتي، تأمل فوجد أن الجيل الجديد لا يعرفه. والذين كانوا يعرفونه لم يعودوا يذكرونه. والذين يذكرون، لا يهتمون للأمر كثيراً. لقد انتهى الأمر. وتحوّل كل شيء إلى كتب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كُتب مجرد كُتب كُتب مجرد كُتب



GMT 09:12 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الخضرة والماء والوجه الحسن

GMT 09:08 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

اللبنانيّون وقد طُردوا إلى... الطبيعة!

GMT 09:04 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الضوء الأخضر للإرهاب

GMT 08:57 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

تايوان... «أوكرانيا الصين»!

GMT 08:52 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

أصوات العرب: جوّال الأرض

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 16:52 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تحرم الأهلي من رامي ربيعة في مباراة الإسماعيلي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 15:27 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

التصميم المميز للزجاجة والروح الأنثوي سر الفخامة

GMT 08:49 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أليساندرو سارتوري يسرق الأنظار إلى "زينيا" بابتكاراته

GMT 12:55 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جزيرة منمبا في زنجبار تتمتع بمناظر طبيعية نادرة ورومانسية

GMT 04:30 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الإبلاغ عن العنف الجنسي يعصف بحياة السيدات في الهند
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca