صحافي في الصعيد

الدار البيضاء اليوم  -

صحافي في الصعيد

سمير عطا الله
بقلم : سمير عطا الله

ذهب الرجل إلى سوهاج في الصعيد. ساعة بالطائرة، ثم 45 دقيقة إلى أبيدوس، قرية رمسيس الثاني. والطريق كلها مطبات. والقرية لا تزال من دون صرف صحي، وأهلها فقراء وبلا دخل إلا ما يرسله أو يعود به العاملون في الخليج. وأصغى الرجل طويلاً إلى محدثيه في قرية العرابة. ودوّن كل ما سمع، مثل صحافي ماهر. أو مثل صحافي استقصائي اختار في المهنة الجزء الشاق منها. وبعد سوهاج ذهب إلى الأقصر. ورأى وسمع وكتب. مصر المعابد ومصر المساجد ومصر الكنائس. وما قاله له عالم المصريات الدكتور سامح إسكندر، وما قاله الكاهن القبطي الأب أنطونيوس. لكنه شاهد أن «كل البيوت فقيرة، وكل المباني التعليمية والصحية في حالة سيئة... وقد تعلمنا وشاهدنا وسعدنا».
والرجل الذي قام بتلك الرحلة وقطع 45 دقيقة من المطبات، واستوقف أهالي القرى في سوهاج وقنا يطرح عليهم الأسئلة، ليس صحافياً استقصائياً أو سوى ذلك، إنه عالم الطب محمد أبو الغار. وما شاء الله من مواليد 1940، ومن أبهى وأرقى كُتّاب مصر و«المصري اليوم». وأنا القادم من قرى لبنان أنتظر جولته كل أسبوع في تاريخ مصر وحياتها وقضاياها. ولحقت به إلى سوهاج وقنا، متعه الله بالصحة والعافية، ورضي عن هذا الخلق الكريم.
ما أجمل هؤلاء السادة النبلاء عندما يضيفون إلى الكتابة هذا القدر من المعرفة والثقافة وعلو الضمير. كم صحافي يمكن أن يتكبد الرحلة ومشاقها ليكتب لمن يقرأ عن أجمل معابد مصر وإلى جانبه قرية بلا صرف صحي: العام 2122 قبل الميلاد، والعام 2022 بعده. نحن الذين نعمل من منازلنا نرى مشقة في الكتابة والبحث، ومولانا هذا، ما شاء الله، ما أن يبرأ من آثار «كورونا»، حتى نراه في الصعيد. وللمناسبة فإن الوصف الذي وضعه لنا عن الإصابة الرهيبة، هو أيضاً عمل صحافي رائع. دون ما مر به وكأنه طبيب عن مريضه. عالم يكتب عن تجربته. أما هو وآلامه ومخاوفه، فلا وجود لها في النص.
يصدف أحياناً أن يكتب الدكتور أبو الغار عن كتاب بالإنجليزية أكون قد قرأته من قبل. وأكتشف أنني لم أعرف كيف أقرأه. وأعود إلى قراءته مرة أخرى بعقل أكثر وعياً وانتباهاً. تلعب الصحافة المصرية دوراً جوهرياً في حياة مصر. وعندما ينضم إليها أهل العلم والفكر، يزيدونها ثراء. ويزيدون مجتمعهم علماً. وتغيب هذه الثنائية، للأسف، في بلدان عربية أخرى. فلا نعرف عن محمد أبو الغار آخر في سوريا، أو العراق، أو لبنان. ولا أيضاً عن مجدي يعقوب آخر. ولا أقصد هنا التجلي العلمي وإنما في عمل البر وتكريس جزء من الوقت المدر والمعطاء لمن هم في حاجة إليه.
يختم الدكتور أبو الغار كل مقال له بعبارة «قوم يا مصري، مصر بتناديك». ونختم بتحية تقدير عميق. مصر تستحق المزيد من مصرييك.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صحافي في الصعيد صحافي في الصعيد



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 16:52 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تحرم الأهلي من رامي ربيعة في مباراة الإسماعيلي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 15:27 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

التصميم المميز للزجاجة والروح الأنثوي سر الفخامة

GMT 08:49 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أليساندرو سارتوري يسرق الأنظار إلى "زينيا" بابتكاراته

GMT 12:55 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جزيرة منمبا في زنجبار تتمتع بمناظر طبيعية نادرة ورومانسية

GMT 04:30 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الإبلاغ عن العنف الجنسي يعصف بحياة السيدات في الهند

GMT 02:35 2017 الجمعة ,05 أيار / مايو

سيارة فيراري "275 غب" 1966 معروضة للبيع

GMT 05:29 2016 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين تفتتح أفخم فندق سبع نجوم بتكلفة 515 مليون دولار

GMT 02:01 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

5 خطوات مميّزة للحصول على درجة علمية عبر الإنترنت
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca