بقلم : أكرم عطا الله
كعادتنا التي لا تعني شيئاً ولا تغير شيئاً في عالم غرز أوتاده في أرض الزمن القديم والجهل القديم وثقافة العصور الوسطى، نكتب كل عام عن المرأة مجاملةً كما يفعل المسؤولون في احتفالاتهم بهذا اليوم، يبيعون كلاماً للمرأة عن الدور والمساواة ثم يحتكرون المؤسسة كمجموعة من الذكور، ويختارون امرأة واحدة على سبيل الديكور أو الادعاء لا أكثر.لن نعود لزمن بلقيس وزنوبيا وكليوبترا وشجرة الدر، حيث النساء اللواتي حفر تاريخ الشرق أسماءهن كبطلات في المعارك وفي القيادة وفي الحكمة، حيث قدن الرجال نحو انتصارات خلدها التاريخ، بل عن الحاضر الذي أطاح بالمرأة في الشرق الذي لم يعد يعرف سوى الهزائم، وتلك مصادفة، لكن الغرب الذي بات يقدم نماذج بلقيس الحديثة وكليوبترا على شكل رئيسة وزراء يرتعد أمامها زعماء العرب من الذكور المهيمنة على المجتمعات العربية.
يكفي نموذج أنجيلا ميركل في ألمانيا لتصيب ثقافتنا بصدمة الراهن ببدائية أصبحت مدعاة للسخرية أمام الأمم، تلك المرأة التي تقود أعظم دولة صناعية في أوروبا وتستقبل لاجئي الشرق، ليس فقط لمنظومة قيمها الحضارية، بل لأنها تمكنت من إيجاد عشرات الآلاف ليملؤوا شواغر للوظائف في بلدها حين انغلقت أمامهم دول الرجال الذين أشبعونا كلاماً عن الشرق والرجولة والكرم العربي.لقد سقطت كل أساطير الخرافات العربية حول مكانة المرأة أمام سيف العلم والنهضة والحداثة ومسار التاريخ الصاعد إلا لدى الشعوب التي تستأنس السكن في الماضي بفخر شديد. وبعد التجربة أثناء الحرب العالمية الثانية حين ذهب الرجال للحرب فنزلت المرأة لميدان العمل للمناجم والمصانع والمؤسسات، فإذ بها مؤهلة تماماً، وهو ما لم نكتشفه بعد ولا نريد أن نجرب أصلاً، لأن الأفضل لمجتمع الذكور أن تبقى ناقصة عقل.
فالشرق مجتمع ذكوري، ليس فقط بالقيادة بل بالثقافة التي تمعن بازدراء المرأة وتحويلها إلى أداة، وتلك تشبع رغبة الرجل المستبد بلا منازع، حيث يحق له أن يفعل ما يشاء بمنظومة القمع التي يمارسها ضدها وحرمانها من أبسط حقوقها حتى حقها في الاسترخاء على شاطئ البحر كآدمية، كما حدث في غزة الأسبوع الماضي، فهي ليست أكثر من أسيرة في البيت أو تتحرك وفقاً لمنظومة حددها الرجل، وإن فكرت بغير ذلك يتكاتف حولها المجتمع لاعناً شاتماً ليعيدها إلى الحظيرة.
«المرأة نصف المجتمع» هذا كلام يردده الجميع ولكن يتعامل معها كنصف فارغ ومفرغ من كل شيء بما فيه العقل والفعل، وهذه ثقافة تعززت عبر مئات السنين، وأصبحت جزءاً من منظومة القيم إلى الدرجة التي أفقدت المرأة ثقتها بنفسها، وباتت تتحرك أو تعمل في إطار الهامش الضيق الذي حددته مصلحة الرجل والذي أعطى لنفسه حق استغلال الدين مفسراً نصوصه وفق مصالحه.
ذات مرة دُعيت لإلقاء كلمة في إحدى اللقاءات النسوية، وقبلي كانت قد ألقت كلمتها واحدة من قيادات الحركة النسائية، دهشتُ وأنا أستمع إليها وهي تتحدث عن دور المرأة كأخت الشهيد وأم الأسير وزوجة البطل. قلت يومها تعليقاً: «لماذا تصر المرأة حتى القيادية منها حين تتحدث عن المرأة أن تربط دورها بالرجل لتأخذ مكانتها؟ أينبغي أن نلحقها برجل حتى يكون لها دور؟ لماذا ليس هناك المرأة العالمة والمرأة البطلة والمرأة القائد، وتلك وحدها تستدعي التفكير بثقافة مجتمع أقنع المرأة نفسها بأن دورها ينحصر خلف الرجل.
مكانة المرأة ليست وليدة اللحظة ولا يمكن تصويبها بجرة قلم أو خطبة مسؤول، فتلك ثقافة متوارثة وهي ليست حالة خاصة، بل جزء من منظومة متأخرة تتكامل فيها جزيئات المجتمع وبنيته وفقاً لهرم بورخوف. فلا يمكن لمجتمع استبدادي أن يحترم المرأة، ولا يمكن أن تكون مكانة المرأة متدنية ووضع الصحة متقدماً، فكل الأشياء تتشابه: التعليم والصحة والقضاء والفساد والدكتاتورية وانحطاط مكانة المرأة، تلك هي المجتمعات وفقاً لتفسير بورخوف، وهذا دقيق إلى حد كبير.
في مجتمعات لا تزال تفرق بين العرق والدين والجنس وأقفلت صندوق وعيها عند هذا الحد لا يمكن الحديث عن دور المرأة ومكانة المرأة، فمن ينظر لمن يختلف معه في المذهب سني أم شيعي وينظر إليه باحتقار، ومن يختلف مع من له أصول أخرى أو مع لون آخر لا نتوقع أن يحترم امرأة تختلف معه في الجنس. المرأة التي صفعتنا بنقيضها تاتشر وميركل وكل النساء في المجتمعات المتقدمة وأبقتنا نردد مقولات لم نعد حتى نصدقها نحن، ولكن نخشى انهيار منظومة تقاليد لنحافظ على توازن وإن كان يتبع القرون الوسطى لا يهم، والأهم أنه يحافظ على سلطة الرجل ومصالحه المطلقة لأن نصف المجتمع عبيد لديه فلماذا يسعى للتغيير.
نحن بحاجة إلى إعادة صياغة عقدنا الاجتماعي ككل. فمن الخطأ نقاش مكانة المرأة بمعزل عن واقع يشبهها ولا يمكن له إلا أن ينتج تلك المكانة، وليس من الصدفة أن تفشل كل المؤسسات النسوية في تحقيق تقدم يذكر للمرأة وسط هذا الواقع، لا يعني ذلك الكف عن العمل، ولكن ذلك يتطلب على الأقل أن تثق المرأة بنفسها كقائد وحيوي وفاعل في المجتمع يمكنه أن يقوم بكل المهمات بضمنها المهمات الفكرية والعقلية، لا أن تربط قيمتها بالرجل، فذلك انسجام مع استلاب المرأة لدورها لا للبحث عن مكانتها.
في يوم المرأة، المجتمعات العربية بحاجة إلى وقفة أكبر أمام ذاتها ومكانتها، فكل شيء لا يدعو للسرور سوى لمن يريدون الحفاظ على الانحطاط لتلك المنطقة التي كانت يوماً رائدة النتاجات الحضارية، قبل أن تتوقف منذ مئات الأعوام تاركةً العالم يركض للأمام لتبقى آخر الأمم... كل عام والمرأة سيدة الحضارة وسيدة المجتمع بخير...!