بقلم : أكرم عطا الله
لا فكاك من الكتابة عن صفقة «نتنياهو- ترامب» لأنها الزلزال السياسي الذي وقع في المنطقة التي لم تعرف بعد كيف تتعامل مع هزاته الارتدادية، ولأنها أخطر ما تم طرحه من مشاريع ليس فقط بسبب قوة التنفيذ التي تحقق منها الجزء الأكبر على أرض الواقع، بل أيضا لضعف الحالة العربية والفلسطينية بالرغم من أنها لم تكن مفاجئة بل كان لها مقدمات كبيرة وكثيرة، لكن سذاجة السياسة جعلت من المشهد القائم كأنها نزلت كالصاعقة بشكل فجائي.
ولأنها جاءت في أسوأ حالات الفلسطينيين الذين يعيشون لحظة فقدان التوازن بكل الأحوال، إذ كانوا يترنحون أصلا حتى قبل أن يعلن الرئيس الأميركي الخطة الإسرائيلية التي كان قد تم تنفيذ معظمها أمام مرأى ومسمع جميع القادة والفصائل والأحزاب الفلسطينية بندا بندا، ومستوطنة مستوطنة، وانقساما وتطويعا وتأهيلا للحالة الفلسطينية برمتها في الضفة الغربية وقطاع غزة حيث أصبحت الأرضية مهيأة تماما لطرح أي شيء.
سواء السلطة الفلسطينية في الضفة أو حركة حماس في غزة يبدو أن هناك حالة ضعف تعتري المشهد الفلسطيني إذ تأثرت ردود الفعل بحالة فقدان التوازن تلك حيث تكللت بما يشبه العمل العشوائي بتحركات بسيطة لم تكن بمستوى المطروح، ولم تحقق حتى اللحظة أي نتيجة لدى الطرف الإسرائيلي الذي قرر تأجيل «فقط تأجيل» ضم الغور والمستوطنات كرمى للأصدقاء في الإدارة الأميركية وليس بسبب الجهد الفلسطيني الغارق في صراعاته وصراع البقاء.
السلطة الفلسطينية حاولت اتخاذ إجراءات لكنها تكتشف المعادلة المعقدة على بساطتها أن أي إجراء يمكن أن يذهب بعيدا سيؤدي إلى مزيد من الخنق وليس سوى بعض التحركات الدبلوماسية والتي لم تجد أثرا عمليا لدى الدول العربية سوى بعض البيانات الخجولة والتي لا تعكس الوجهة العربية التي لم تعد تجد في القضية الفلسطينية أولوية لها، هكذا صرح زعيم عربي وقد يكون للفلسطيني نصيب من هذا التراجع وهذا الاستهتار فقط لأنهم قدموا أسوأ صورة.
أما حركة حماس التي حاولت قبل ثلاثة عشر عاما أن تلعب لعبة حافة الهاوية مع السلطة حسب قول أحد مسؤوليها بعد الانقلاب، وهذا مشكوك فيه، لتجد نفسها وقعت في الهاوية وتحاول منذ ذلك الوقت الخروج وقد خارت قواها بفعل الفقر والأزمة الاقتصادية التي ألحقت بالقطاع. جاءت صفقة القرن وهي على تلك الحالة لتجد نفسها في حالة ارتباك كما السلطة ما بين محاولة إنقاذ نفسها أم إنقاذ المشروع لينتهي بها الأمر إلى لعبة العصا والجزرة تتحدث عن عمال وأسماك ومساعدات إنسانية تلقي بها دولة عربية.
الأسوأ هو اكتشاف السلطتين في غزة والضفة ألا شيء يمكن أن يؤدي إلى استمرار الحكم دون الإسرائيلي وهو ما يحول دون ذهاب أي منهما نحو تحطيم الأواني بعد إعلان صفقة نتنياهو - ترامب. فالسلطة تريد أن تفعل كل شيء في إطار الحفاظ على استمرارها ولا يصل إلى حد تهديد البقاء خشية انهيارها، و»حماس» تريد أن تفعل كل شيء ولكن شريطة استمرار حكمها لغزة لنكتشف أن حجم ممانعة الصفقة بتلك المعادلة أقل كثيرا من أن يؤثر على مسارها وحقائقها التي تتجسد على الأرض من ضم واستيطان واستمرار لفصل غزة عن الضفة.
المثير أيضا طبيعة المعارك التي يقودها الفلسطينيون في الضفة وغزة، وهي تعكس ليس فقط الارتباك بل غياب التخطيط واستشراف النتائج والتي تؤدي إلى مزيد من أزمة الثقة بين نظام الحكم وبين الشارع والذي يؤدي بنتيجته إلى فقدان الفلسطيني واحدة من أهم أدوات الضغط والفعل ومن يتابع وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يلمس حجم الهوة المتزايدة بين الجانبين هذا إذا ما تم استثناء المؤيدين.
لا أحد ضغط على رئيس الوزراء الدكتور محمد اشتية ليعطي كل تلك الوعود لغزة وموظفي غزة والتي انتهت بلا شيء، ولا أعرف من الذي أشار إليه في قضية العجول دون أن يضع أمامه المحاذير شديدة الوضوح بأن كل المفاتيح بيد إسرائيل وكان يجب أن يجنبنا هزيمة كنا بغنى عنها، فالإسرائيلي يتحكم بكل شيء وفجأة من الممكن أن ينهار الاقتصاد والأسعار في الضفة ويحولها إلى نقمة على الحكومة التي ستضطر للتراجع.
أما حركة حماس بالمقابل، باتت تدرك أن الفعل الذي يمكن أن يؤذي إسرائيل سيتسبب بتعطيل الحياة المعطلة أصلا، فلا معابر ولا أسماك ولا مندوب قطري ولا أموال ولا تصاريح وبالتالي تبدأ بمواءمة الحالة بما يتناسب مع استمرار الحياة بحدها الأدنى الذي يلامس خط الفقر الإنساني.
وبكل الظروف تهبط الحالة الفلسطينية بجناحيها نحو الحفاظ على مستوى الحياة ومن المؤسف أن تصل القوى إلى هذه النتائج بعد تجارب مكلفة ومعارك خاسرة وأقرب للعشوائية في إدارة السياسة، فالانتصارات الصغيرة تتراكم لتتحول إلى انتصارات كبرى والهزائم الصغيرة هي مقدمات أو تجليات للهزيمة الكبرى. فما يحدث لدينا لا يعكس قدرة على النجاح بل يعكس تخوفا كبيرا من انزلاق تهوى إليه الحالة الفلسطينية منذ سنوات طويلة حتى تصل إلى هذا المستوى الذي يدعو للخوف على حقيقة المستقبل.
حكم تحت الاحتلال يعني أن هناك حدودا للحركة وتلك الحدود يرسمها الإسرائيلي، هذا ما قالته كل التجارب وبالتالي أصبح الفلسطيني يتحرك داخل المصيدة التي دخلها بمحض إرادته. ولكن كل تلك الحركة المحدودة بات واضحا أنها لن تصل إلى نتيجة وسط هذه البيئة المحلية شديدة التفتت والبيئة الإقليمية شديدة الضعف والتي لا تمكنها من أن تنتج أكثر من خطاب رافض وبصوت لا يعني شيئا على الأرض.
لم يضع الفلسطيني أي فرصة كما قال أحد الزعماء العرب في لقائه بقادة يهود في الولايات المتحد، فتلك الدعاية لا تجد صدى إلا لدى الجهلة الذين لم يقرؤوا التاريخ. فإسرائيل منذ قيامها لم تقدم أي فرصة ولم تدع مجالا للفلسطيني للتفكير بها، فما قاله الباحثون والمؤرخون الإسرائيليون عن خفايا السياسة الاسرائيلية منذ العام 48 حتى الآن يشكل ردا على من يعتقد أن هناك سيلا من الفرص.
أثناء كتابة هذا المقال حدثت السرقة الثانية التي قام بها المجهول المعلوم لأحد مستودعات شركة الاتصالات في غزة بهدف إنشاء دولة داخل دولة غزة التي أنشئت داخل دولة فلسطين التي أنشئت في غلاف دولة إسرائيل ...أي عبث هذا...!