إلى متى انتظار قانون حماية الأسرة من العنف؟

الدار البيضاء اليوم  -

إلى متى انتظار قانون حماية الأسرة من العنف

ريما كتانة نزال
بقلم : ريما كتانة نزال

لا أذكر مرة واحدة منذ عام 2008، على أبواب الثامن من آذار، لم تقدم الحكومات المتعاقبة وعودها بصدور قانون حماية الأسرة من العنف بالمناسبة، اعترافاً منها بفلسفة وجود قانون خاص تبتعد فيه عن العموميات والشمولية، وتقترب فيه مع التفاصيل الخاصة بواقع العنف الأسري وطبيعة الانتهاكات الممارسة وخصوصياتها.
وفي مطلع كل آذار، يتولد الانطباع بأن القانون يجلس على نار ساخنة، يسبقها نقاشات مُعَمَّقة في أطر المجتمع المدني بالتوازي مع اللجان الرسمية الحكومية..لكن يبقى الغموض سيّد الموقف بعدم صدوره، خاصة ان الغموض من قماشة الغموض غير البنَّاء بسبب التسريبات التي تشير إلى صراع أصحاب النفوذ والمصالح في البنى الرسمية، التي تشهد التنازع على حدود القانون ومسؤولياته، ما يجعل القانون ضحية المصالح المتعارضة.
وآذار خلف آذار، تستمر متوالية المسودات والتعديل عليها التي تتقهقر دائماً نحو المربعات الأولى، ولجان تنسخ لجاناً سابقة. بينما يستمر الرقميّون في إصدار تخوفاتهم من ارتفاع مُعدلات العنف الأسري على وجه الخصوص، وتستمر الحركة النسائية والمدافعات والمدافعين عن حقوق المرأة في صراخهم ومطالباتهم المشروعة الإفراج عن القانون. وتموت إسراء غريب وصفاء الشكشك في أغرب وأسوأ حوادث قتل شهدها الفلسطينيون-ات، والنتيجة صفرية، عدا عن نفاد الصبر، خاصة بعد الهجمة الأصولية والعشائرية على مؤسسات المرأة.
لا جديد في المشهد، سوى أننا أمام طرح مشروع قانون جديد خاص بحماية الأسرة دون وعود آذارية، مسودة انكبّ عليها عدد من المؤسسات الرسمية، لا تشي بأهميته فقط، بل تنطوي على إيقاف أو تجميد التجاذبات الدائرة بين العناوين المختلفة ذات المصلحة في محتوى القانون، من عيار الخلاف الفكري والثقافي دون التقليل من التجاذبات المشوبة بالاعتبارات التنافسية المعروفة. نحن اليوم أمام مسودة قانونية جديدة ضمن مسار عملية المواءمة.
من القراءة الأولية للمسودة، لا بد من الاقرار بأن في المشروع الجديد العديد من الايجابيات التي تدفع لإقراره وإجازته، حسناً فعل القانون في ترابط مسؤوليات جهات الاختصاص وتكاملها، وفي توحيده الجهات المختلفة وصهرها في لجنة واحدة، على القواسم المشتركة.
وأمر ايجابي أن يكون لدينا قانون لحماية الأسرة في السياق الظرفي، أفضل من استمرار غيابه. وسيكون القانون أفضل فيما إذا تمت الاستجابة وتلافي بعض الاعتوارات والنواقص بما يستلزم أخذها بالاعتبار، تعديلاً وتنقيةً وتوضيحاً وتخليصاً من الغموض والشوائب.. الناشئة عن وضعه من قبل لجنة تمتلك رؤى ومقاربات وخلفيات متباينة كان من الصعب بمكان أن تتوحد على بنوده. وانطلاقاً من ذلك: أتفهم أن اللجنة قد جيّرت بعض البنود الخلافية الى قانون العقوبات المنتظر، رغم معرفة الجميع أن علم قانون العقوبات في الغيْب.
وبشكل عام، فالملاحظة الأساسية أن القانون بحاجة الى دليل إجراءات ولائحة تنفيذية جديدة توضح كيفية تطبيقه، بسبب تناقض بعض بنوده التي تعاملت مع واقع مُعاش جديد، بينما المرجعيات النافذة مُتقادمة، عدم المواكبة للواقع وتخلفها عنه أقل ما يُقال عنها. وأُشير هنا الى قانون الأحوال الشخصية الذي يعرف الولاية بشكل مختلف عما أتت عليه في قانون حماية الأسرة، ما يولد اشكالات مستقبلية.
لا بد من التعرض لبعض مظاهر اللبس التي عانت منه مسودة القانون، أو تناقض بعض بنوده وتضاربها مع بعضها، من مثل التناقض بين المادة (15) التي تنص على أن النيابة تكون في حكم وليّ أمر الضحية في حال كان متولي الأمر هو المعتدي، بينما ينص البند 2 من المادة (40) على حق المحكمة الشرعية والدينية عزل الولاية عن المتهم أو الوصي على الضحية في حال ثبوت ارتكابه جرائم العنف الأسري!
كذلك، في إطار الملاحظات حول المسؤوليات الكثيرة المسندة إلى مرشدي الحماية المكلفين بمهام رئيسية عديدة عدا عن التدخلات المطلوبة منهم الوقائية والعلاجية، الصعبة والخطيرة، دون إيلائهم الاهتمام الكافي وإسنادهم بمتطلبات الحماية اللازمة لهم. الأمر الذي يعني إغناء وتعديل القانون لضمان أمنهم الوظيفي اللازم لاستمرار عملهم. 
كما نلحظ أن المسودة تحجم دور الإعلام وتظلمه، فمن النوافل الحديث عن أهمية الاعلام ودوره في كشف الحقيقة وصولا إلى دوره التربوي والتوعوي في تشكيل الرأي العام بما يخدم نبذ ظاهرة العنف وحصارها وعزل مرتكبيها. 
نعم نريد للقانون رؤية النور سريعاً. لكن، لا أحد يريد طبخة مسلوقة أو منزوعة الدسم، أو تكون بنودها حمّالة أوجه، كما نريد للقانون المنتظر طويلاً الابتعاد عن اللُّبْس والنصوص، فنحن أمام قانون تنتظره النساء وتعوّل عليه الكثير، التصدي لآفة خطيرة تعاني منها الأسرة الفلسطينية، معالجة وتغيير الواقع بوضوح ضمن موقف ورؤية جذريّة تستند إلى مؤشرات الواقع، بعيداً عن فكرة التدرج أو تقسيط الحقوق، فالقانون خُلق ليستقر في الواقع مدة من الزمن تمكِّن من اختباره والتأكد من تحوله إلى سلوك، قبل أن يُفتح مجدداً للتعديل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إلى متى انتظار قانون حماية الأسرة من العنف إلى متى انتظار قانون حماية الأسرة من العنف



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:59 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 02:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

قطار ينهي حياة شيخ ثمانيني في سيدي العايدي

GMT 10:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

"خلطات فيتامين سي" لشعر جذاب بلا مشاكل

GMT 13:54 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

نصائح مهمة لتجنب الأخطاء عند غسل الشعر

GMT 13:08 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام فعاليات "ملتقى الشبحة الشبابي الأول " في أملج

GMT 16:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

كمبوديا تستخدم الجرذان في البحث عن الألغام

GMT 04:44 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميم مجمع مباني "سيوون سانغا" في عاصمة كوريا الجنوبية

GMT 06:28 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

خبير إتيكيت يقدم نصائحه لرحله ممتعة إلى عالم ديزني

GMT 12:22 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 7 على الأقل في قصف جوي ومدفعي على حي الفردوس في حلب

GMT 04:48 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمير الوليد بن طلال يؤكد بيع أسهمه في "فوكس 21"

GMT 22:13 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

منتخب غانا يهزم نظيره المصري في بطولة الهوكي للسيدات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca