بقلم : عادل الأسطة
يحضر في الرواية فلسطينيون آخرون يذكر قسم منهم بالاسم، مثل محمود درويش وإميل حبيبي وكنفاني وزيّاد، وذكر الكاتبين الأخيرين عابر، ويشار إلى قيادات فلسطينية غالبا لا تسمى بأسمائها.يكون حضور محمود درويش لافتا، لا في المتن الروائي حيث تتحدث الشخصيات، وإنما في العتبات النصية، فالرواية التي تتشكل من ثمانية أقسام تتصدر كل قسم أسطر نثرية كتبها درويش يبدي فيها رأيه بناجي وتجربته الفنية، ويشير الروائي في المتن الروائي إلى تقديم درويش لأحد كتالوجات رسوم العلي، والأسطر تبرز تصورَ فلسطيني لفلسطيني، وهو تصور متبنى تماما من الروائي الذي لا يرغب في التدخل في الشأن الفلسطيني والتباساته وإن أتى عليها في الرواية وهو يصف علاقة ناجي بالقيادة ورأي الأخيرة فيه وموقفها منه في فترات مختلفة.
إن الوقوف أمام أسطر درويش وصورة ناجي فيها يمكن أن يدرس تحت عنوان آخر غير «صورة الفلسطيني في الرواية العربية». إنه يمكن أن يدرس تحت عنوان «صورة الفلسطيني في الأدب الفلسطيني» أو «التناص في رواية» «على عهدة حنظلة».
الفلسطيني الحاضر في الرواية بقوة، الحاضر حضورا يوازي حضور ناجي هو الروائي إميل حبيبي، ولحبيبي رأي في ناجي هو أن ناجي «كلما أخذتنا مشاغلنا اليومية التافهة بعيدا عن همومنا الوطنية طلع علينا.. بواحدة من رسماته الصادمة مثل حقيقة عارية ليولد لدينا إحساسا بالذنب يعيد لنا وعينا بنا»، ورسمة واحدة من رسوم ناجي تعادل عشرات الصفحات مما يكتب حبيبي لقوة تأثيرها في الجماهير وسرعة انتشارها.
وحين يلتقي الرسام والروائي في صوفيا يخبر إميل ناجي عن نظرة أهل فلسطين المحتلة لناجي «ناسك في الداخل يعدونك قديسا مجنونا» و»كثيرا ما تساءلت وأنا أتابع رسوماتك... من أين يأتي هذا المجرم المتهور بأفكاره المذهلة». «لا أدري إن كان يزعجك إذا صارحتك.. مهد بها حبيبي، واستطرد. أحسدك على شعبيتك العريضة بين عرب الداخل الفلسطيني باختلاف توجهاتهم السياسية. أطلق ضحكة قصيرة. وأرثي لك جراء حرص اليهود على أرشفتهم الدائبة لرسماتك بما يؤكد خشيتهم من اتساع تأثيرك على رأي عام عرب الداخل أكثر، وخشيتي تجاه ما قد يبدر عن موسادهم» - يعني أن اميل يتبنى فكرة ضلوع الموساد باغتيال ناجي. وعموما فإن تصور اميل هذا يعد تصور الفلسطيني لناجي، لا تصور الكويتي وإن كان كاتب الرواية كويتيا ويكتب كتابة تعتمد على الحقائق والمتخيل معا.
يحضر نصا إميل حبيبي «الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل» و»خرافية سرايا بنت الغول»، يحضران حضورا لافتا على لسان الفتاة الكويتية حنين التي لا يقل إعجابها بإميل وأدبه عن إعجابها بناجي ورسومه، مع أنها تقع في خطأ معرفي وهي تعرّف بمكان حبيبي ونشأته «تعرف عنه أنه مسيحي من أهل القدس» وترى أنه كاتب مشهور جريء في مواجهة الحركة الصهيونية وقد نافست شهرته كأديب فلسطيني كثيرين وقد بلغ العالمية ونال أعلى الجوائز.
حنين هي الكويتية المعجبة بإميل وأدبه، وأعتقد أن إسماعيل فهد إسماعيل يختفي وراءها، وأن إعجابها هو إعجابه نفسه، وهنا يثار السؤال:
- هل «المتشائل» و»خرافية» هما العملان الوحيدان من أعمال اميل اللذان راقا لحنين وإسماعيل أيضا؟
وإذا كنا قرأنا تصور اميل لناجي فما هو تصور ناجي لإميل؟
في وصف حنظلة لناجي، وأظن أنه وصف الروائي، ينعت حنظلة ناجي بأنه ذو لسان سليط اعتاد ناسه جميعا عليه «لن تتردد لحظة عن إطلاق شتيمة مقذعة أو الاستعانة بتوصيف مخجل جارح إذا كان ذلك يفي بغرض توصيل أو تأصيل ما تريد إبلاغ محدثك به» وعند مواجهة ناجي لإميل يعرف «بوجود فلسطيني آخر من داخل الأرض المحتلة يفوقك جرأة وسرعة بديهة بتوظيف مفردات ذات صلة».
وهنا قد يسأل سائل:
- من هي حنين هذه وما هو توجهها وكيف تعرفت إلى ناجي العلي؟
حنين هي كاتبة ودارسة تهتم بأدب الأطفال تزور ناجي في مكان عمله في الجريدة وتنشأ بينهما علاقة صداقة تمتد لتشمل الأسرة، وهي قومية ذات توجه يساري وتغار على القضية الفلسطينية من وجهة نظرها الخاصة، وهي ترى أنه يجدر بالفلسطينيين إيجاد صيغة لتوحيد قواهم الوطنية وصهرها في كيان واحد بعيدا عن وصايات من جانب أنظمة غير أمينة مع شعوبها، وترى أنه يجب تأجيل الخلافات بين الفلسطينيين إلى ما بعد تحرير وطنهم، وهي تفترض أن عليهم أن يتصدروا مشهد النضال من أجل التحرر.
تحب حنين ناجي ولكنها لا تفصح عنه حرصا على استقراره العائلي، عدا أنها تعرف أنه رجل المرأة الواحدة.
«المرأة إذا واجهت تحديا بحب محسوم سلبا تعيش نوعا من شقاء معلق لا شفاء منه إلا بارتكاب حالة حب مواربة، لو صادقت رجلا يشبهك تريثت عنده، مشكلتك أو مشكلتي بك.. أنت نسيج وحدك، تجمع الإبداع بالجنون بالسذاجة أحيانا بالجرأة حد التهور أحيانا، سماك مسؤول فصيل نضالي.. ناجي العلي صداع نصفي يؤرق كل من يتعاطى الشأن الفلسطيني، في حين شبهك مسؤول آخر أكبر منزلة.. هذا الرسام دمل محرج ينبغي التخلص منه جراحيا».
ناجي العلي يعادل وطنا فـ»كيف لنا باغتيال وطن».
تثمن الرواية تثمينا عاليا روايتي حبيبي المذكورتين وتأتي على تجنيس «خرافية» «رواية سيرية» و»ليست رواية بقدر ما هي نمط مغاير لسيرة ذاتية» وعن سبب تسمية حبيبي نصه «خرافية» يرد في «على عهدة حنظلة» رأي ينسب لحبيبي هو «حتى لا أمنح النقاد ذريعة مجادلتي دون طائل آثرت أن لا أسميه رواية ولا سيرة ذاتية سميته خرافية. «مع كاتب مجنون مثله أنت لا تستبعد تسميات لم ترد في التجنيس الأدبي» وحبيبي كاتب ساخر لافت.
الكتابة تطول والرواية، بسبب أسلوبها، تربك القراء، وهذا ما لاحظه من كتب عنها مراجعات نقدية.