بقلم : عبد الناصر النجار
وباء كورونا يعيد «تنظيم» العالم بشكل غير متوقع، لكنه ترتيب قائم على انهيار اقتصادي ومالي وحجر على ملايين البشر وإغلاقٍ لعديد الدول حتى في وجه يحاول النجاة بنفسه. الإجراءات العالمية تراوحت بين الاستهتار والجدية، ولنا في الصين وإيطاليا مثال واضح.. الصين تعاملت مع المرض منذ أن تأكد الحزب الشيوعي الصيني أن البلاد أمام جائحة خطيرة بمنتهى الجدية وبتدابير نستطيع القول إنها عسكرية، لا تسامح ولا استثناءات، ولا مجال لمخالفة الإجراءات.
القبضة الحديدية الصينية جاءت بنتائج مثمرة وناجحة، على الرغم من الثمن الاقتصادي الكبير الذي دفعته، والذي سيؤثر على النمو والتنمية فيها على المدى القصير.في المقابل، أسفر التراخي الإيطالي، بل واستهزاء المسؤولين الشعبويين بالإجراءات الوقائية وحتى تحديها عن كارثة وطنية، وانتشار سريع ووفيات كثيرة ومن ثم إعلان الحجر على الشعب كله، وانهيار في معظم القطاعات الاقتصادية والاجتماعية.في فلسطين جاءت الإجراءات سريعة وقوية في آن، واستطاعت الحكومة أن تنجح بامتياز في هذا الامتحان حتى الآن، على الرغم من الخسائر الاقتصادية التي تكبدها قطاع الخدمات الفلسطيني وفي المقدمة منه المطاعم والمقاهي وأماكن الترفيه علاوة على الشلل في بعض مناحي الحياة، ومنها عدم القدرة على إيجاد بديل مقنع لإغلاق المدارس ووقف المسيرة التعليمية في ظل أن مفهوم التعليم عن بعد ما زال يحبو عندنا دون أفق واضح يجعله ذا قيمة ومعنى قريباً.. وطلبة الثانوية حائرون.. والآن وزارة التربية والتعليم مطالبة باتخاذ إجراءات لإعادة سكة التعليم إلى مسار قريب من مسارها المعتاد عبر التواصل مع الطلبة وخاصة «التوجيهي» والصفوف الدنيا.
الإجراءات الفلسطينية ساهمت في الحد من انتشار الوباء، ومن دون هذه الإجراءات الصعبة، ربما كنا نعاني مثل إيطاليا لا سمح الله.
على الصعيد الشعبي الفلسطيني، فإن الوباء أصبح مثل لعبة «البينغ بونغ» هناك من يأخذ الأمور على سبيل التندر بحيث أصبح المرض بوابة لمئات النكات، وحتى الشائعات. ولكن أيضاً هناك جدية في التعامل معه على المستوى الصحي والأمني والخاص.ولكن هناك إشكالية أخرى فلسطينياً وهي الأوضاع في قطاع غزة. علماً أن البعض هناك حاول عدم تطبيق إجراءات الحكومة مثل تعطيل المدارس والجامعات، بحجة أنه لا توجد إصابات في القطاع، على قاعدة أنه بعد ظهور الإصابات سيتم تطبيق الإجراءات … أي منطق هذا.
في غزة الوضع مخيف، وأكثر من عبر عن ذلك سلطات الاحتلال وجهاز المخابرات الإسرائيلي، فقد انشغلت القيادات السياسية والأمنية في دولة الاحتلال بإيجاد الرد على فرضية ماذا لو انتشر الوباء في قطاع غزة؟
دولة الاحتلال هي من تتحمل المسؤولية أمام العالم، فهي من تحاصر القطاع، وهي من تمنع دخول المساعدات الطبية والأدوية، وهي من تمنع تحرك الكوادر الطبية، وهي التي تغلق الحواجز أمام المرضى. لذلك تضع سلطات الاحتلال السيناريو الأسوأ، ماذا لو تحرك مئات آلاف الفلسطينيين نحو الحدود، لأن الاحتلال هو سبب الكوارث والأوبئة.
هذا الطرح يبدو عبثياً عند المسؤولين في غزة، الذين ما زالوا يصرون على أن القطاع خال من الإصابة.. نعم القطاع نظيف من الإصابات لكنه ليس بعيداً عنها، وفي ظل الأوضاع الاجتماعية والكثافة السكانية وضعف بنى الخدمات الصحية وغيرها، فإن أي ظهور للوباء سيكون كارثياً ومأساوياً.
مخابرات الاحتلال تضع غزة تحت عنوان «الله يستر»، ونحن بحاجة الآن للنظر بجدية أكبر وأكثر واقعية، واتخاذ إجراءات وقائية حقيقية بعيداً عن المناكفات السياسية مثل محاولة فتح المدارس، ولولا مواقف وكالة الغوث لكان الأمر مختلفاً.
إذن، هو تحذير للبدء بإجراءات وقائية، دون سخرية أو استهزاء في ظل ظروف خاصة يعيشها قطاع غزة.. فهل من مستمع!